وذكر ابنُ عطية (٨/ ٥٩٠) القول الأول، والرابع، وزاد عليهما قولين آخرين: أحدهما: عن الفراء أنّ المعنى: «هدى وأضلَّ، واكتفى بالواحدة لدلالتها على الأخرى». والآخر: «هدى المولود عند وضْعه إلى مصِّ الثدي». ثم علَّق على هذه الأقوال بقوله: «وهذه الأقوال مثالات». ووافقه ابنُ تيمية (٦/ ٥٣٩). ووجَّه ابنُ القيم (٣/ ٢٩٢) القول الأول -وهو قول مجاهد-، والقول الرابع بقوله: «وما ذَكر مجاهد فهو تمثيل منه، لا تفسير مطابق للآية، فإنّ الآية شاملة لهداية الحيوان كلّه؛ ناطقه وبهيمه، طيره ودوابّه، فصيحه وأعجمه. وكذلك قول مَن قال: إنه هداية الذَّكَر لإتيان الأنثى. تمثيل أيضًا، وهو فرد واحد من أفراد الهداية التي لا يحصيها إلا الله، وكذلك قول مَن قال: هداه للمرعى. فإنّ ذلك من الهداية؛ فإنّ الهداية إلى التقام الثدي عند خروجه من بطن أمه والهداية إلى معرفته أُمّه دون غيرها حتى يتبعها أين ذهبتْ، والهداية إلى قصْد ما ينفعه من المرعى دون ما يضرّه منه، وهداية الطير والوحش والدواب إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان، كهداية النّحل إلى سلوك السبل التي فيها مراعيها على تباينها ثم عوْدها إلى بيوتها من الشجر والجبال وما يغرس بنو آدم». ورجَّح ابنُ جرير (٢٤/ ٣١٢) العموم، وذلك: «أنّ الله عمَّ بقوله: {فَهَدى} الخبر عن هدايته خَلْقَه، ولم يَخْصُصْ من ذلك معنًى دون معنًى، وقد هداهم لسبيل الخير والشر، وهدى الذكور لِمَأْتى الإناث، فالخبر على عمومه، حتى يأتي خبرٌ تقوم به الحجة دالٌّ على خصوصه». وكذا رجحه ابنُ عطية قائلًا: «والعموم في الآية أصوب في كلّ تقدير وفي كلّ هداية». ونحوه قال ابنُ القيم (٣/ ٢٩٢). وأشار ابنُ تيمية (٦/ ٥٣٩) إلى ضعف قول الفرّاء. وانتقده ابنُ القيم أيضًا -مستندًا إلى النظائر، ودلالة العقل- قائلًا: «وأضعف الأقوال فيها قول الفراء: إذ المراد هاهنا الهداية العامة لمصالح الحيوان في معاشه، ليس المراد هداية الإيمان والضلال بمشيئته، وهو نظير قوله: {رَبُّنا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى} [طه: ٥٠]، فإعطاء الخَلْق إيجاده في الخارج والهداية التعليم والدلالة على سبيل بقائه وما يحفظه ويقيمه».