ووجَّه ابنُ عطية (٨/ ٦١٨) القول الأول بقوله: «وكان هذا يوم فتح مكة، وعلى هذا يتركب قول مَن قال: السورة مدنية نزلت عام الفتح. ويتركب على هذا التأويل قول مَن قال: {لا} نافية، أي: إنّ هذا البلد لا يُقسِم الله به، وقد جاء أهله بأعمال توجب إحلال حُرمته. ويتَّجه أيضًا أن تكون {لا} غير نافية». ووجَّه ابنُ القيم (٣/ ٣٠٣) القول الثاني بأنه «حلال ساكن البلد، بخلاف المحرم الذي يحج ويعتمر ويرجع، ولأنّ أمْنه إنما تظهر به النعمة عند الحِلّ من الإحرام، وإلا ففي حال الإحرام هو في أمان، والحرمة هناك للفعل لا للمكان، والمقصود هو ذِكْر حرمة المكان، وهي إنما تظهر بحال الحلال الذي لم يتلبس بما يقتضي أمْنه، ولكن على هذا ففيه تنبيه، فإنه إذا أقسم به وفيه الحلال فإذا كان فيه الحرام فهو أولى بالتعظيم والأمن». ونقل ابنُ عطية عن بعض المتأولين أنّ المعنى: «وأنت ساكنٌ بهذا البلد». ثم وجَّهه بقوله: «وعلى هذا يجيء قول مَن قال: هي مكّيّة. والمعنى على إيجاب القسم بيِّن، وعلى نفيه أيضًا يتَّجه على معنى: لا أُقسِم ببلد أنت ساكنه على أذى هؤلاء القوم وكفرهم». ووجَّهه ابنُ القيم (٣/ ٣٠٤) بأنه «متضمن لهذا التعظيم، مع تضمّنه أمرًا آخر، وهو الإقسام ببلده المشتمل على رسوله وعبده، فهو خير البقاع وقد اشتمل على خير العباد، فجعل بيته هدًى للناس، ونبيّه إمامًا وهاديًا لهم، وذلك من أعظم نِعمه وإحسانه إلى خَلْقه، كما هو مِن أعظم آياته ودلائل وحدانيته وربوبيته، فمن اعتبر حال بيته وحال نبيّه وجد ذلك من أظهر أدلة التوحيد والربوبية». ثم نقل عن شرحبيل بن سعد -حكاية عن الثعلبي- أنّ المعنى: «قد جعلوك حلالًا مُستَحل الأذى والإخراج والقتل لك لو قدروا».