ووجَّه ابنُ القيم (٣/ ٣١٨ - ٣١٩) الأقوال الثلاثة الأولى بقوله: «والأقوال الثلاثة ترجع إلى أفضل الأعمال وأفضل الجزاء. فمن فسَّرها بلا إله إلا الله فقد فسَّرها بمفرد يأتي بكل جمع؛ فإنّ التصديق الحقيقي بلا إله إلا الله يستلزم التصديق بشُعَبها وفروعها كلّها، وجميع أصول الدين وفروعه مِن شُعَب هذه الكلمة، فلا يكون العبد مُصدِّقًا بها حقيقة التصديق حتى يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، ولا يكون مؤمنًا بالله إله العالمين حتى يؤمن بصفات جلاله ونعوت كماله، ولا يكون مؤمنًا بأنّ الله لا إله إلا هو حتى يسلب خصائص الإلهية عن كلّ موجود سواه، ويسلبها عن اعتقاده وإرادته كما هي منفيّة في الحقيقة والخارج، ولا يكون مُصدّقًا بها من نفى الصفات العليا، ولا من نفى كلامه وتكليمه، ولا من نفى استوائه على عرشه، وأنه يُرفع إليه الكلم الطيّب والعمل الصالح، وأنه رَفع المسيح إليه وأسرى برسوله إليه، وأنه يُدبّر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه، إلى سائر ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله. ولا يكون مؤمنًا بهذه الكلمة مُصدّقًا بها على الحقيقة مَن نفى عموم خَلْقه لكلّ شيء، وقدرته على كلّ شيء، وعلْمه بكلّ شيء، وبعْثة الأجساد من القبور ليوم النشور. ولا يكون مُصدّقًا بها مَن زعم أنه يترك خَلْقه سُدًى لم يأمرهم ولم ينههم على ألسنة رسله. وكذلك التصديق بها يقتضي الإذعان، والإقرار بحقوقها، وهي شرائع الإسلام التي هي تفصيل هذه الكلمة بالتصديق بجميع أخباره وامتثال أوامره واجتناب نواهيه هو تفصيل لا إله إلا الله، فالمُصدِّق بها على الحقيقة الذي يأتي بذلك كلّه. وكذلك لم تحصل عصمة المال والدم على الإطلاق إلا بها، وبالقيام بحقّها، وكذلك لا تحصل النجاة من العذاب على الإطلاق إلا بها وبحقّها. فالعقوبة في الدنيا والآخرة على تَرْكها أو تَرْك حقّها. ومَن فسّر الحُسنى بالجنة فسّرها بأعلى أنواع الجزاء وكماله. ومَن فسّرها بالخَلف ذكر نوعًا من الجزاء، فهذا جزاء دنيوي، والجنة الجزاء في الآخرة، فرجع التصديق بالحُسنى إلى التصديق بالإيمان وجزائه، والتحقيق أنها تتناول الأمرين». ورجَّح ابنُ جرير (٢٤/ ٤٦٥) القول الأول مستندًا إلى السنة، والسياق. وهو قول ابن عباس من طريق عكرمة، وقول مجاهد من طريق أبي هاشم المكي، وقول عكرمة، ومقاتل، وعلَّل ذلك بقوله: «لأنّ الله -جلَّ ثناؤه- ذكر قبلَه مُنفِقًا أنفق طالبًا بنفقته الخَلَفَ منها، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عَقِيبَه الخبرُ عن تصديقه بوعد الله إيّاه بالخَلَف، إذ كانت نفقته على الوجْه الذي يرضاه، مع أنّ الخبر عن رسول الله بنحو الذي قلنا في ذلك ورد». ثم ذكر حديث أبي الدّرداء الوارد في نزول الآيات. وزاد ابنُ عطية (٨/ ٦٣٥) قولًا نقله عن كثير من المتأولين أنّ معنى: «الحُسنى: الأجر والثواب مجملًا».