للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٤٠٠٠ - عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر- =

٨٤٠٠١ - ومحمد بن السّائِب الكلبي -من طريق معمر- في قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ}، قالا: رددناه إلى الهَرم (١). (ز)

٨٤٠٠٢ - قال مقاتل بن سليمان: {ثُمَّ رَدَدْناهُ} بعد الشباب والصورة الحسنة {أسْفَلَ سافِلِينَ} يعني: مِن الصورة؛ لأنه يسقط حاجباه، ويذهب شبابه، وعقله، وقوته، وصوته، وصورته، فلا يكون شيئًا أقبح منه، وما خلق الله شيئًا أحسن مِن الشباب (٢). (ز)

٨٤٠٠٣ - قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ}، قال: إلى النار (٣) [٧٢٢٣]. (ز)


[٧٢٢٣] اختُلف في قوله: {ثم رددناه إلى أسفل سافلين} على أقوال: الأول: رددناه إلى أرذل العمر. الثاني: رددناه إلى النار في أقبح صورة.
وقد رجّح ابنُ جرير (٢٤/ ٥١٦) القول الأول وانتقد الثاني مستندًا إلى الدلالة العقلية، والسياق، وعلَّل ذلك بقوله: «وإنما قلنا: هذا القول أولى بالصواب في ذلك؛ لأنّ الله -تعالى ذِكْره- أخبر عن خَلْقه ابن آدم، وتصريفه في الأحوال، احتجاجًا بذلك على منكري قدرته على البعث بعد الموت، ألا ترى أنه يقول: {فما يكذبك بعد بالدين} يعني: بعد هذه الحُجج. ومحال أن يحتجّ على قوم كانوا منكرين معنًى من المعاني بما كانوا له منكرين، وإنما الحجّة على كلّ قوم بما لا يقدروا على دفْعه مما يعاينونه ويحسّونه أو يُقِرُّون به، وإن لم يكونوا له محسيّن، وإذا كان ذلك كذلك، وكان القوم للنار التي كان الله يتوعّدهم بها في الآخرة منكرين، وكانوا لأهل الهَرم والخرف من بعد الشباب والجَلَد شاهدين؛ عُلم أنه إنما احتج عليهم بما كانوا له معاينين، من تصريفه خَلْقه، ونَقْله إياهم مِن حال التقويم الحسن والشباب والجَلَد، إلى الهرَم والضعف وفناء العمر، وحدوث الخرف».
ورجّح ابنُ كثير (١٤/ ٤٣٥) القول الثاني مستندًا إلى السياق، فقال: «قوله: {ثم رددناه أسفل سافلين} أي: إلى النار. قاله مجاهد، وأبو العالية، والحسن، وابن زيد، وغيرهم. ثم بعد هذا الحُسن والنضارة مصيره إلى النار إن لم يُطع الله ويتّبع الرسل؛ ولهذا قال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [التين: ٦]». وانتقد -مستندًا إلى الدلالة العقلية، والنظائر- القول الأول بقوله: «ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك؛ لأنّ الهَرم قد يصيب بعضهم، وإنما المراد ما ذكرناه، كقوله: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}».
ورجّح ابنُ تيمية (٧/ ٧١ - ٧٤) وابنُ القيم (٣/ ٣٣٥ - ٣٣٧) القول الثاني، وانتقدا الأول -مُستَنِديْن إلى دلالة اللغة، والعقل، والنظائر- مِن وجوه: أحدها: أنّ أرذل العمر لا يُسمّى: أسفل سافلين، لا في لغة ولا عُرف، وإنما أسفل سافلين هو سِجِّين الذي هو مكان الفُجّار، كما أنّ عِلِّيّين مكان الأبرار. الثاني: أنّ المردودين إلى أسفل العمر بالنسبة إلى نوع الإنسان قليل جدًّا، فأكثرهم يموت ولا يُردّ إلى أرذل العمر. الثالث: أنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستوون هم وغيرهم في ردّ مَن طال عمره منهم إلى أرذل العمر، فليس ذلك مختصًّا بالكفار حتى يستثني منهم المؤمنين. الرابع: أنّ الله سبحانه لما أراد ذلك لم يخصّه بالكفار، بل جعله لجنس بني آدم، فقال: {ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا} [الحج: ٥]، فجعلهم قسمين: قسمًا مُتوفّى قبل الكِبَر، وقسمًا مردودًا إلى أرذل العمر ولم يُسمّه: أسفل سافلين. الخامس: أنه لا تحسن المقابلة بين أرذل العمر وبين جزاء المؤمنين، وهو سبحانه قابل بين جزاء هؤلاء وجزاء أهل الإيمان، فجعل جزاء الكفار أسفل سافلين، وجزاء المؤمنين أجرًا غير ممنون. السادس: أنّ قول مَن فسّره بأرذل العمر يستلزم خلو الآية عن جزاء الكفار وعاقبة أمرهم، ويستلزم تفسيرها بأمر محسوس، فيكون قد ترك الإخبار عن المقصود الأهم، وأخبر عن أمر يُعرَف بالحسّ والمشاهدة، وفي ذلك هضم لمعنى الآية، وتقصير بها عن المعنى اللائق بها. السابع: أنه سبحانه ذكر حال الإنسان في مبدئه ومعاده، فمبدؤه خَلْقه في أحسن تقويم، ومعاده ردّه إلى أسفل سافلين أو إلى أجر غير ممنون، وهذا موافق لطريقة القرآن وعادته في ذكر مبدأ العبد ومعاده، فما لأرذل العمر وهذا المعنى المطلوب المقصود إثباته والاستدلال عليه؟. الثامن: أنّ أرباب القول الأول مُضطرُّون إلى مخالفة الحسّ، وإخراج الكلام عن ظاهره، والتكلّف البعيد له؛ فإنهم إن قالوا: إنّ الذي يُرَدّ إلى أرذل العمر هم الكفار دون المؤمنين. كابروا الحسّ. وإن قالوا: إنّ من النوعين مَن يُرَدّ إلى أرذل العمر. احتاجوا إلى التكلّف لصحة الاستثناء، فمنهم مَن قدَّر ذلك بأنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا تبطل أعمالهم إذا رُدّوا إلى أرذل العمر، بل تجري عليهم أعمالهم التي كانوا يعملونها في الصحة، فهذا وإن كان حقًا فإنّ الاستثناء إنما وقع من الردّ لا من الأجر والعمل. التاسع: أنه سبحانه ذكر نِعمته على الإنسان بخَلْقه في أحسن تقويم، وهذه النعمة توجب عليه أن يشكرها بالإيمان وعبادته وحده لا شريك له، فينقله حينئذ من هذه الدار إلى أعلى عِلِّيّين، فإذا لم يؤمن به وأشرك به وعصى رسله نقله منها إلى أسفل سافلين، وبدّله بعد هذه الصورة التي هي في أحسن تقويم صورة من أقبح الصور في أسفل سافلين، فتلك نِعمته عليه، وهذا عدله فيه وعقوبته على كفران نِعمته. العاشر: أنّ نظير هذه الآية قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ ألِيمٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [الانشقاق: ٢٤ - ٢٥]، فالعذاب الأليم هو أسفل سافلين، والمُستَثْنون هنا هم المُستَثْنون هناك، والأجر غير الممنون هناك هو المذكور هنا، والله أعلم. الحادي عشر: أن يقال: إنّ الشيخ وإن ضعف بدنه فعقله أقوى من عقل الشاب، ولو قُدِّر أنه ينقص بعض قواه فليس هذا ردًّا إلى أسفل سافلين، فإنه سبحانه إنما يصف الهَرم بالضعف، كقوله: {ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة} [الروم: ٥٤]، وقوله: {ومن نعمره ننكسه في الخلق} [يس: ٦٨]، فهو يعيده إلى حال الضعف. ومعلوم أنّ الطفل ليس هو في أسفل سافلين، فالشيخ كذلك أولى. الثاني عشر: أن يُقال: إنه سبحانه أقسم على ذلك بأقسام عظيمة بالتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين، وهي المواضع التي جاء منها محمد والمسيح وموسى، وأرسل الله بها هؤلاء الرسل مُبشِّرين ومُنذِرين. وهذا الإقسام لا يكون على مجرد الهَرم الذي يعرفه كل واحد، بل على الأمور الغائبة التي تُؤَكّد بالأقسام، فإن إقسام الله هو على أنباء الغيب".

<<  <  ج: ص:  >  >>