للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عبد المُطَّلِب في الناس، فتراجعوا، فأصابوا مِن فضلهما حتى ضاقوا به ذرعًا، وساد عبد المُطَّلِب بذلك قريشًا، وأعطوه المقادة، فلم يزل عبد المُطَّلِب وأبو مسعود وأهلوهما في غِنًى مِن ذلك المال، ودفع الله - عز وجل - عن كعبته وقِبلته، وسلّط عليهم جنودًا لا قِبل لهم بها، وكان لهم بالمرصاد والأخذة الرابية، وأنزل فيهم: {ألَمْ تَرَ} يعني: يخبر نبيّه - صلى الله عليه وسلم - {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الفِيلِ} يعني: الأسود بن مقصود، ومَن معه من الجيش وملوك العرب ... (١). (ز)

٨٤٩٢٣ - عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة بن الفضل-: أنّ أبْرَهَة بنى كنيسة بصنعاء، وكان نصرانيًّا، فسماها: القُلَّيْس؛ لم يُر مثلها في زمانها بشيء من الأرض؛ وكتب إلى النجاشيّ ملِك الحبشة: إني قد بنيتُ لك -أيها الملِك- كنيسة لم يُبن مثلها لملِك كان قبلك، ولستُ بمنتهٍ حتى أصرف إليها حاجّ العرب. فلما تحدّثت العرب بكتاب أبْرَهَة ذلك للنجاشيّ غضِب رجلٌ من النّسَأة (٢) أحد بني فُقَيم، ثم أحد بني مالك، فخرج حتى أتى القُلَّيْس، فقعد فيها، ثم خرج فلحق بأرضه، فأُخبر أبْرَهَة بذلك، فقال: مَن صنع هذا؟ فقيل: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجّ العرب إليه بمكة؛ لما سمع من قولك: أصرف إليه حاجّ العرب، فغضب، فجاء فقعد فيها، أي: أنها ليستْ لذلك بأهل. فغضب عند ذلك أبْرَهَة، وحلف ليسيرنّ إلى البيت فيهدمه، وعند أبْرَهَة رجال من العرب قد قدموا عليه يلتمسون فضله، منهم محمد بن خُزاعيّ بن حزابة الذَّكواني، ثم السُّلمي، في نفر من قومه، معه أخ له يُقال له: قيس بن خُزاعيّ، فبينما هم عنده غشيهم عبد لأَبْرَهَة، فبعث إليهم فيه بغذائه، وكان يأكل الخُصى، فلما أتى القوم بغذائه قالوا: واللهِ، لئن أكلنا هذا لا تزال تسبّنا به العرب ما بقينا. فقام محمد بن خُزاعيّ، فجاء أبْرَهَة، فقال: أيها الملِك، إنّ هذا يوم عيد لنا، لا نأكل فيه إلا الجُنوب والأيدى. فقال له أبْرَهَة: فسنبعث إليكم ما أحببتم، فإنما أكرمتكم بغذائي لمنزلتكم عندي.

ثم إن أبْرَهَة توّج محمد بن خزاعي، وأمّره على مُضر أن يسير في الناس، يدعوهم


(١) تفسير مقاتل بن سليمان ٤/ ٨٤٧ - ٨٥٤. وقد أتم مقاتل القصة بذكر بعض ما قالته العرب من شعر في الحادثة، آثرنا حذفها لما فيه من تصحيف وعدم دقة في تحقيقها. وقد أورد القصة بطولها الثعلبيُّ في تفسيره ١٠/ ٢٩٣ معزوَّة إلى مقاتل بن سليمان.
(٢) النسأة: ما كانت تفعله العرب في الأشهر الحرم، وذلك أنهم كانوا يكرهون توالي ثلاثة أشهر حُرم لا يغيرون فيها؛ لأن حياتهم ومعاشهم من الغارة، فيحل لهم شهر المحرم، فذلك الإنساء. اللسان (نسأ).

<<  <  ج: ص:  >  >>