٨٥٣٤٦ - عن سعيد بن مِينا مولى البَخْتريّ -من طريق محمد بن إسحاق- قال: لقي الوليدُ بن المُغيرة، والعاصي بن وائل، والأسودُ بن المُطَّلِب، وأُميّة بن خلف؛ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا محمد، هَلُمّ فلتعبد ما نعبد، ونعبد ما تعبد، ونشترك نحن وأنتَ في أمْرنا كلّه، فإن كان الذي نحن عليه أصحّ مِن الذي أنتَ عليه كنتَ قد أخذتَ منه حظًّا، وإن كان الذي أنتَ عليه أصحّ من الذي نحن عليه كُنّا قد أخذنا منه حظًّا. فأنزل الله:{قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ} حتى انقضت السورة (١). (١٥/ ٧١٢)
٨٥٣٤٧ - قال مقاتل بن سليمان:{قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ} نزلت في المُستهزئين مِن قريش، وذلك أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بمكة:{والنَّجْمِ إذا هَوى} فلما قرأ: {أفَرَأَيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى}[النجم: ١٩ - ٢٠] ألقى الشيطانُ على لسانه في وسَنه، فقال: تلك الغَرانيق العُلا، عندها الشفاعة تُرتجى. فقال أبو جهل بن هشام، وشيبة وعُتبة ابنا ربيعة، وأُميّة بن خلف، والعاص بن وائل، والمستهزؤون من قريش عشيًّا في دبُر الكعبة: لا تفارقنا يا محمد إلا على أحد الأمرين؛ ندخل معك في بعض دينك ونعبد إلهك، وتدخل معنا في بعض ديننا وتعبد آلهتنا، أو تتبرأ من آلهتنا ونتبرأ من إلهك. فأنزل الله - عز وجل - فيهم تلك الساعة:{قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ} إلى آخر السورة، فأتاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعدُ، فقال:{قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ}[السورة]، ثم انصرف عنهم، فقال بعضهم: تبرّأ هذا منكم فشتموه وآذوه (٢)[٧٣٢٨]. (ز)
[٧٣٢٨] انتقد ابنُ تيمية (٧/ ٢١٦) -مستندًا إلى أقوال السلف، والدلالة العقلية- مَن جعل الخطاب في السورة لمُعَيَّنين، قائلًا: «وهذا غلط، فإنّ قوله: {قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ} خطاب لكلّ كافر، وكان يقرأ بها في المدينة بعد موت أولئك المُعُيّنين، ويأمر بها ويقول: هي براءة من الشرك، فلو كانت خطابًا لأولئك المُعَيّنين، أو لمن علم منهم أنه يموت كافرًا، لم يخاطب بها مَن لم يعلم ذلك منه. وأيضًا فأولئك المُعَيَّنون إن صحّ أنه إنما خاطبهم فلم يكن إذ ذاك علم أنهم يموتون على الكفر. والقول بأنه إنما خاطب بها مُعَيّنين قول لم يقله مَن يعتمد عليه، ولكن قد قال مقاتل بن سليمان: إنها نزلت في أبي جهل والمستهزئين، ولم يؤمن من الذين نزلت فيهم أحد. ونَقْلُ مقاتل وحده مما لا يُعتَمد عليه باتفاق أهل الحديث، كنقل الكلبي، ولهذا كان المُصنِّفون في التفسير من أهل النقل لا يذكرون عن واحد منهما شيئًا كمحمد بن جرير، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبي بكر بن المنذر فضلًا عن مثل أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وقد ذكر غيره هذا عن قريش مطلقًا». ثم ذكر الأثر الثاني في سبب نزول السورة الوارد عن ابن عباس، والأثر الذي يليه عن وهب بن منبه، ثم ذكر الحديث الوارد في الآثار المتعلقة بالسورة مِن رواية نَوْفَل بن معاوية الأشجعيّ في أنّ سورة الكافرون براءة من الشرك، ثم علَّق عليه بقوله: «فقد أمر رسول الله واحدًا مِن المسلمين أن يقرأها، وأخبره أنها براءة من الشّرك، فلو كان الخطاب لِمَن يموت على الشّرك كانت براءة من دين أولئك فقط، لم تكن براءة من الشّرك الذي يسلم صاحبه فيما بعد، ومعلوم أنّ المقصود منها أن تكون براءة من كلّ شركٍ اعتقادي وعملي».