قد جاءت، وما أظنّها جاءت بخير. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم، خُذ ببصرها». أو كما قال، ثم قال لأبي بكر -رحمة الله عليه-: «دَعْها تدخل، فإنها لن تراني». فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر -رحمة الله عليه- جميعًا، فدخلتْ أمُّ جميل البيتَ، فرأتْ أبا بكر -رحمة الله عليه-، ولم تر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وكانا جميعًا في مكان واحد، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ فقال: وما أردتِ منه، يا أُمّ جميل؟ قالت: إنه بلغني أنه هجاني، وهجا زوجي، وهجا أولادي، وإني جئتُ بهذا الفَرْث لألقيه على وجهه ورأسه أذلّه بذلك. فقال لها: والله، ما هجاكِ، ولا هجا زوجكِ، ولا هجا ولدكِ. قالت: أحقٌّ ما تقول، يا أبا بكر؟ قال: نعم. فقالت: أما إنك لَصادق، وأنتَ الصِّدِّيق، وما أرى البأس إلا وقد كذبوا عليه. فانصرفتْ إلى منزلها، ... ثم إنه بدا لعُتبة بن أبي لهب أن يخرج إلى الشام في تجارة، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا الصّفاح، فلما همّوا أن يرجعوا عنه إلى مكة قال لهم عُتبة: إذا رجعتم إلى مكة فأخبِروا محمدًا بأني كفرتُ بـ {والنَّجْمِ إذا هَوى}. وكانت أول سورة أعلنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك قال:«اللهم، سلِّط عليه كلبك يأكله». فألقى الله - عز وجل - في قلب عُتبة الرُّعب لدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان إذا سار ليلًا ما يكاد ينزل بليل، فهجر بالليل، فسار يومه وليلته، وهمّ أن لا ينزل حتى يُصبح، فلما كان قبيل الصبح قال له أصحابه: هلكت الركاب. فما زالوا به حتى نزل، وعرّس وإبله وهو مذعور، فأناخ الإبل حوله مثل السّرادق، وجعل الجواليق دون الإبل مثل السّرادق، ثم أنام الرجال حوله دون الجواليق، فجاء الأسد ومعه مَلكٌ يقوده، فألقى الله - عز وجل - على الإبل السكينة، فسكنتْ، فجعل الأسد يتخلّل الإبل، فدخل على عُتبة وهو في وسطهم، فأكله مكانه، وبقي عظامه وهم لا يشعرون؛ فأنزل الله - عز وجل - في قوله حين قال لهم: قولوا لمحمد: إنى كفرتُ بالنجم إذا هوى، يعني: القرآن إذ نزل؛ أنزل فيه:{قُتِلَ الإنْسانُ} يعني: لُعن الإنسان {ما أكْفَرَهُ}[عبس: ١٧]، يعني: عُتبة يقول: أي شيء أكفره بالقرآن؟! إلى آخر الآيات (١). (ز)