للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}، قال: الخيط الأبيض: الذي يكون من تحت الليل، يكشف الليل. والأسود: ما فوقه. {منَ الفجر} قال: ذلك الخيط الأبيضُ هو من الفجر نسبةً إليه، وليس الفجر كله، فإذا جاء هذا الخيط -وهو أوّله- فقد حلَّت الصلاةُ، وحَرُم الطعام والشراب على الصائم (١) [٦٦٣]. (ز)


[٦٦٣] رجَّحَ ابنُ جرير (٣/ ٢٦٠ - ٢٦١ بتصرف) قولَ السُّدِّيِّ، وابن زيد، ومَن قال بقولهما، مستندًا إلى السنة، ولغة العرب، فقال: «وأَوْلى التأويلين بالآية التأويلُ الذي رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «الخيط الأبيض: بياض النهار، والخيط الأسود: سوادُ الليل». وهو المعروف في كلام العرب. وأما قوله: {من الفجر} فإنه -تعالى ذكره- يعني: حتى يتبين لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود الذي هو من الفجر، وليس ذلك هوَ جميعَ الفجر، ولكنه إذا تبيَّن من الفجر -ذلك الخيط الأبيض الذي يكون من تحت الليل الذي فوقه سواد الليل- فمن حينئذ فصُوموا، ثم أتِمُّوا صيامكم من ذلك إلى الليل. وأما الأخبارُ التي رويتْ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه شرب أو تسحَّر، ثم خرج إلى الصلاة؛ فإنه غير دافع صحّةَ ما قلنا في ذلك؛ لأنه غير مستنكر أن يكون - صلى الله عليه وسلم - شَرب قبل الفجر ثم خرج إلى الصلاة؛ إذ كانت الصلاةُ -صلاة الفجر- هي على عهده كانت تُصلى بعد ما يطلع الفجر ويتبيَّن طلوعه، ويؤذَّن لها قبل طلوعه. وأما الخبر الذي رُوي عن حذيفة: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتسحّر وأنا أرى مَواقعَ النَّبل. فإنه قد استُثبتَ فيه، فقيل له: أبعد الصبح؟ فلم يُجِب في ذلك بأنه كان بعد الصبح، ولكنه قال: هو الصبح. وذلك من قوله يُحتمل أن يكون معناهُ: هو الصبح لقربه منه، وإن لم يكن هو بعينه، كما تقول العرب:» هذا فلان «شبهًا، وهي تشير إلى غير الذي سمَّته، فتقول:» هو هو «تشبيهًا منها له به، فكذلك قول حذيفة: هو الصبح، معناه: هو الصبح شبهًا به وقربًا منه. وفي قوله -تعالى ذِكْرُه-: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيامَ إلى الليل} أوضحُ الدلالة على خطأ قول من قال: حلالٌ الأكلُ والشربُ لِمَن أراد الصومَ إلى طلوع الشمس؛ لأن الخيط الأبيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر».
ووافقه ابنُ عطية (١/ ٤٥٢) مشيرًا إلى أنه قول جميع العلماء.
وقال ابنُ كثير (٢/ ٢٠١) فيمن يقول الإمساك من طلوع الشمس: «وهذا القول ما أظُنُّ أحدًا من أهل العلم يستَقِرُّ له قدم عليه؛ لمخالفته نص القرآن في قوله: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}».

<<  <  ج: ص:  >  >>