للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٠٥٣ - عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- قوله: {وليسَ البر بأنْ تأتوا البيوتَ من ظهورها ولكن البر مَن اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}، قال: كان أهل المدينة وغيرُهم إذا أحرمُوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها، وذلك أن يَتَسَوَّرُوها، فكان إذا أحرم أحدهم لا يدخل البيت إلا أن يَتَسَوَّره مِن قِبَل ظَهره. وإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل ذات يومٍ بيت لبعض الأنصار، فدخل رجلٌ على إثْرِه مِمَّن قد أحرم، فأنكروا ذلك عليه، وقالوا: هذا رجل فاجر. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لِمَ دخلت من الباب وقد أحرمتَ؟». فقال: رأيتُك -يا رسول الله- دخلتَ؛ فدخلتُ على إثْرِك. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنّي أحمس». وقريش يومئذ تُدْعى: الحُمْس، فلَمّا أن قال ذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قال الأنصاري: إنّ ديني دينُك. فأنزل الله -تعالى ذِكْرُه-: {وليس البر بأن تأتوا البيوتَ من ظهورها} الآية (١). (ز)

٦٠٥٤ - قال مقاتل بن سليمان: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}، وذلك أنّ الأنصار في الجاهلية وفي الإسلام كانوا إذا أحرم أحدهم بالحج أو بالعمرة، وهو من أهل المدن، وهو مقيم في أهله؛ لم يدخل منزله من باب الدار، ولكن يُوضَع له سُلَّم إلى ظهر البيت، فيصعد فيه، وينحدر منه، أو يَتَسَوَّر من الجدار، وينقُب بعضَ بيوته، فيدخل منه، ويخرج منه، فلا يزال كذلك حتى يَتَوَجَّه إلى مكة مُحْرِمًا. وإذا كان من أهل الوبر دَخَل وخَرَج من وراء بيته. وإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل يومًا نَخْلًا لبني النَّجّار، ودخل معه قُطْبَة بن عامر بن حَدِيدة الأنصاري -من بني سَلِمَة بن جُشَم- من قِبَل الجدار وهو محرم، فلمّا خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من الباب وهو محرم خرج قُطْبَةُ من الباب، فقال رجل: هذا قُطْبَةُ خرج من الباب وهو محرم! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما حملك أن تخرج من الباب وأنت محرم؟» قال: يا نبي [الله]، رأيتك خرجت من الباب وأنت مُحْرِم؛ فخرجتُ معك، وديني دينُك. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خرجتُ لأني من أحْمَس». فقال قُطْبَة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن كنت أحْمَسِيًّا فإني أحْمَسِيٌّ، وقد رضيتُ بهديك ودينك؛ فاسْتَنَنتُ بسُنَّتِك. فأنزل الله في قول قُطْبَة بن عامر للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وآتوا البيوت من أبوابها} ... والحُمْس: قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر بن صَعْصَعَة، الذين لا يَسْلُون السَّمْنَ (٢)، ولا يأكلون


(١) أخرجه ابن جرير (٣/ ٢٨٨) مرسلًا.
(٢) سَلأَ السَّمْنَ: طبخه وعالَجَه فأذاب زُبْدَه. مادة: (سلأ). وقال السهيلي في الروض الأنف (ت: السلامي) ٢/ ١٨٥: «وكانوا [أي: الحمس في الإحرام] لا يَسْلَؤون السَّمْنَ، وسَلَأ السّمْن: أن يُطْبَخَ الزّبْدُ حتى يصير سَمْنًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>