واختُلِف في حكم العمرة؛ فقال قوم بوجوب تمامها ابتداءً، وأنها فرض. وقال آخرون بوجوب إتمامها بعد الدخول فيها، وهي تطوع. ورجَّح ابنُ جرير (٣/ ٣٣٨ - ٣٤١) في معنى الإتمام القولَ الأول الذي قاله ابن عباس من طريق علي، وعلقمة، وإبراهيم، ومجاهد، والربيع. ورجَّح أن العمرةَ تطوُّعٌ، وهو القول الذي قاله ابن مسعود، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والشعبي من طريق ابن عون؛ مستندًا إلى عدم الدليل القاطع بوجوب العمرة، فقال: «وذلك أنّ الآية محتملة للمعنيين اللَّذَيْن وصفنا؛ من أن يكون أمرًا من الله بإقامتهما بتمامهما ابتداءً، وإيجابًا منه على العباد فرضهما، وأن يكون أمرًا منه بإتمامهما بعد الدخول فيهما، وبعد إيجاب موجبهما على نفسه، فإذا كانت الآية محتملة للمعنيين اللَّذَيْن وصَفْنا فلا حُجَّة فيها لأحد الفريقين على الآخر، إلا وللآخر عليه فيها مثلها، وإذا كان كذلك، ولم يكن بإيجاب فرض العمرة خبرٌ عن الحجة للعذر قاطعًا، وكانت الأمة في وجوبها متنازعة؛ لم يكن لقول قائل:» هي فرض «بغير برهان دالٍّ على صحة قوله معنًى، إذ كانت الفروض لا تلزم العباد إلا بدلالة على لزومها إياهم واضحة». ثم أورد (٣/ ٣٢٨ - ٣٤٠) عددًا من الأحاديث التي اسْتَدَلَّ بها القائلون بوجوب العمرة، وانتَقَدَها بأنها أخبار ضعيفة، ومُعارَضَة بغيرها، فقال: «فإنّ هذه أخبار لا يثبت بمثلها في الدين حُجَّةٌ؛ لِوَهْيِ أسانيدها، وأنّها مع وهْيِ أسانيدها لها من الأخبار أشْكالٌ تُنبِئُ عن أنّ العمرة تطوُّعٌ، لا فرض واجب». ونقل ابنُ جرير (٣/ ٣٣٥ بتصرف) حُجَّةَ مَن قال بعدم وجوب العمرة، فقال: «وقال آخرون: العمرةُ تطوُّعٌ. ورأوا أنه لا دلالة على وجوبها في نصبهم (العُمْرَةَ) في القراءة، إذ كان من الأعمال ما قد يلزم العبدُ عملَه وإتمامَه بدخوله فيه، ولم يكن ابتداءُ = = الدخول فيه فرضًا عليه، وذلك كالحج التَّطُوُّع لا خلاف بين الجميع فيه أنّه إذا أحرم به أنّ عليه المضيَّ فيه وإتمامَه، ولم يكن فرضًا عليه ابتداء الدخول فيه. وقالوا: فكذلك العمرة غير فرض واجب الدخول فيها ابتداء، غير أنّ على مَن دخل فيها وأوجبها على نفسه إتمامها بعد الدخول فيها. قالوا: فليس في أمر الله بإتمام الحج والعمرة دلالةٌ على وجوب فرضهما. قالوا: وإنما أوجبنا فرض الحج بقول الله -تعالى ذِكْرُه-: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: ٩٧]».