وانتقده (٣/ ٤٠٠ - ٤٠١) مستندًا لمخالفته السنة، والإجماع، والدلالات العقلية، وبيَّنَ أنّ قائليه مخالفون نصَّ الخبر الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: «يُقال لهم: أرأيتُم مَن أصاب صيدًا، فاختار الإطعام أو الصيام، أتُسَوُّون بين جميع ذلك بقتله الصيد صغيره وكبيره من الإطعام والصيام، أم تُفَرِّقون بين ذلك على قَدْرِ افتراق المقتول من الصيد في الصِّغَر والكِبَر؟ فإن زعموا أنهم يُسَوُّون بين جميع ذلك؛ سَوَّوا بين ما يجب على مَن قتل بقرة وحشية وبين ما يجب على من قتل ولد ظَبْيَةٍ من الإطعام والصيام، وذلك قولٌ إن قالوه لِقَوْلِ الأُمَّةِ مُخالِفٌ. وإن قالوا: بل نخالف بين ذلك؛ فنوجب ذلك عليه على قدر قيمة المصاب من الطعام والصيام. قيل: فكيف رَدَدتُم الواجبَ على الحالق رأسه من أذًى من الكفارة على الواجب على المتمتع من الصوم، وقد علمتم أنّ المتمتع غيرُ مُخَيَّرٍ بين الصيام والإطعام والهدي، ولا هو مُتْلِفٌ شيئًا وجبت عليه منه الكفارة، وإنّما هو تاركٌ عملًا من الأعمال، وتركتم رَدَّ الواجب عليه وهو مُتْلِفٌ بحلق رأسه ما كان ممنوعًا من إتلافه، ومخير بين الكفارات الثلاث، نظير مصيب الصيد الذي هو بإصابته إيّاه له مُتْلِفٌ ومُخَيَّرٌ في تكفيره بين الكفارات الثلاث؟ وهل بينكم وبين من خالفكم في ذلك، وجعل الحالق قياسًا لمصيب الصيد، وجمع بين حُكْمَيْهِما لاتِّفاقهما في المعاني التي وصفنا، وخالف بين حكمه وحكم المُتَمَتِّع في ذلك لاختلاف أمرهما فيما وصفنا؛ فَرْقٌ مِن أصلٍ أو نظيرٍ؟ فلن يقولوا في ذلك قولًا إلا أُلْزِمُوا في الآخَرِ مِثْلَه، مع أنّ اتفاق الحُجَّة على تَخْطِئَةِ قائلِ هذا القول في قوله هذا كفايةٌ عن الاستشهاد على فساده بغيره، فكيف وهو مع ذلك خلاف ما جاءت به الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والقياس عليه بالفساد شاهدٌ». وانتَقَدَ ابنُ كثير (٢/ ٢٣٣ بتصرف) هذا القول، وكذا القول الذي قاله سعيد بن جبير استنادًا للدلالات العقلية، ومخالفة السنة، فقال: «وهذان القولان قولان غريبان، فيهما نظر؛ لأنه قد ثبتت السنة في حديث كعب بن عجرة الصيام ثلاثة أيام، لا ستة، أو إطعام ستة مساكين، أو نسك شاة، وأنّ ذلك على التخيير كما دَلَّ عليه سياق القرآن، وأمّا هذا الترتيب فإنّما هو معروفٌ في قتل الصيد كما هو نص القرآن، وعليه أجمع الفقهاء هناك، بخلاف هذا».