للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بجَمْع، فلمّا ذهب ليجاوزهم قالت له الحُمْس: يا أبا بكر، أين تُجاوزِنا إلى غيرنا؟! هذا موقف مَفِيضُ آبائك، فلا تذهب حتى يفِيض أهلُ اليمن وربيعة من عرفات. فمضى أبو بكر لأَمْرِ الله وأَمْرِ رسوله، حتّى أتى عرفات، وبها أهل اليمن وربيعة، وهم الناس في هذه الآية، فوقف بها حتّى غربت الشمس، ثمّ أفاض بالناس إلى المشعر الحرام، حتّى وقف بها، حتّى إذا كان عند طلوع الشمس أفاض منها (١). (ز)

٦٩٨٦ - عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: كانت قريش يقفون بالمزدلفة، ويقف الناس بعرفة، إلا شيبةَ بن ربيعةَ؛ فأنزل الله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} (٢). (٢/ ٤٢٢)

٦٩٨٧ - عن عروة بن الزبير -من طريق ابنه هشام- أنّه كتب إلى عبد الملك بن مروان: كتبتَ إلَيَّ في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل من الأنصار: «إنِّي أحْمَس». وإنِّي لا أدري أقالها النبي أم لا؟ غير أني سمعتُها تُحدَّثُ عنه. والحُمْس: مِلَّةُ قريش وهم مشركون، ومن ولَدَتْ قريش من خزاعة وبنو كِنانة، كانوا لا يدفعون من عرفة، إنما كانوا يدفعون من المزدلفة، وهو المشعر الحرام، وكانت بنو عامر حُمْسًا، وذلك أنّ قريشا ولَدَتْهُم، ولهم قيل: {ثُمَّ أفِيضُوا مِن حَيْثُ أفاضَ النّاسُ}، وأنّ العرب كلها كانت تُفِيض من عرفة إلا الحُمْس، كانوا يدفعون إذا أصبحوا من المزدلفة (٣). (ز)

٦٩٨٨ - عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}، قال: عرفة، كانت قريش تقول: إنما نحن حُمْسٌ أهلُ الحرمِ، لا نُخلِفُ الحرمَ المزدلفةَ. أُمِروا أن يَبْلُغوا عرفة (٤). (٢/ ٤٢٢)

٦٩٨٩ - عن الضحاك بن مُزاحِم -من طريق أبي بِسْطام- في قوله: {ثُمَّ أفِيضُوا مِن حَيْثُ أفاضَ النّاسُ}، قال: إبراهيم (٥) [٧٣٤]. (٢/ ٤٢٢)


[٧٣٤] بَيَّن ابنُ جرير (٣/ ٥٣٠ - ٥٣٢) أنّه لولا الإجماع الآنف الذكر الذي رجَّح به قول عائشة وابن عباس لَرَجَّح قول الضحاك هذا؛ للدلالة العقلية، فقال: «ولولا إجماعُ مَن وصفتُ إجماعَه على أنّ ذلك تأويلُه لَقُلْتُ: أوْلى التأويلين بتأويل الآية ما قاله الضحاك مِن أنّ الله عنى بقوله: {من حيث أفاض الناس}: من حيث أفاض إبراهيم؛ لأن الإفاضة من عرفات لا شكَّ أنها قبل الإفاضة من جَمْع، وقيل وجوب الذكر عند المشعر الحرام، وإذ كان ذلك لا شك كذلك، وكان الله - عز وجل - إنّما أمر بالإفاضة من الموضع الذي أفاض منه الناس بعد انقضاء ذكر الإفاضة من عرفات وبعد أمره بذكره عند المشعر الحرام بقوله: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام}، ثم قال بعد ذلك: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}؛ كان معلومًا بذلك أنه لم يأمر بالإفاضة إلا من الموضع الذي لم يفيضوا منه دون الموضع الذي قد أفاضوا منه، إذ كان الموضع الذي قد أفاضوا منه فانقضى وقت الإفاضة منه لا وجه لأن يُقال: أفِضْ منه. فإذا كان لا وجه لذلك، وكان غير جائز أن يأمر الله جل وعز بأمرٍ لا معنى له؛ كانت بينة صحة ما قاله من التأويل في ذلك، وفساد ما خالفه، لولا الإجماع الذي وصفناه».
وعَلَّق ابنُ عطية (١/ ٤٩٠) على قول الضحاك، فقال: «وقال الضحاك: المخاطب بالآية جملة الأمة، والمراد بـ {النّاسُ} إبراهيم - عليه السلام -، كما قال: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ} [آل عمران: ١٧٣] وهو يريد واحدًا، ويحتمل على هذا أن يُؤْمَرُوا بالإفاضة من عرفة، ويحتمل أن تكون إفاضة أخرى، وهي التي من المزدلفة، فتجيء {ثُمَّ} على هذا الاحتمال على بابها».

<<  <  ج: ص:  >  >>