للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٣١٨ - عن ابن زيد قال: كان عمر بن الخطاب إذا صلى السُّبْحة (١) وفرغ دخل مِرْبدًا (٢) له، فأرسل إلى فِتْيانٍ قد قرؤوا القرآن، منهم ابن عباس، وابن أخي عُيَيْنة، قال: فيأتون فيقرؤون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف. قال فمروا بهذه الآية: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم}، {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد}، فقال ابن عباس، لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرجلان. فسمع عمر ما قال، فقال: وأيُّ شيء قلتَ؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين. قال: ماذا قلت؟ اقتتل الرجلان؟ قال: فلما رأى ذلك ابن عباس، قال: أرى هاهنا مَن إذا أُمِر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يَشْري نفسه ابتغاء مرضاة الله؛ يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي. فقاتله، فاقتتل الرجلان. فقال عمر: لله تلادك (٣)، يا ابن عباس (٤). (٢/ ٤٨٩)

٧٣١٩ - عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن إسحاق بسنده- قال: {ومِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ} الآية: الذين شَرَوْا أنفسَهم من الله بالجهاد في سبيله، والقيامِ بحقه حتى هَلَكُوا في ذلك. يعني: هذه السَّرِيَّة (٥). (٢/ ٤٧٥)

٧٣٢٠ - عن قتادة بن دِعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: {ومن الناس من يشري نفسه} الآية، قال: هم المهاجرون، والأنصار (٦) [٧٥٩]. (ز)


[٧٥٩] اختُلِف فيمن عُنِي بهذه الآية؛ فقال قوم: المهاجرون والأنصار. وقال آخرون: رجال من المهاجرين بأعيانهم. وقال غيرهم: بل عني بذلك كلّ شارٍ نفسَه في طاعة الله، أو أمر بمعروف.
ورجَّح ابنُ جرير (٣/ ٥٩٤) القول الأخير الذي قاله عمر، وعلي، وابن عباس الذي أخرجه الحاكم، وأبو هريرة، والحسن، مستندًا إلى دلالة العقل في ظاهر الآية، فقال: «وذلك أنّ الله -جل ثناؤه- وصف صفة فريقين: أحدهما: منافق يقول بلسانه خلاف ما في نفسه، وإذا اقتدر على معصية الله ركبها، وإذا لم يقتدر رامها، وإذا نُهِي أخذته العزة بالإثم بما هو به آثم. والآخر منهما: بائعٌ نفسَه، طالِبٌ من الله رضا الله. فكان الظاهر من التأويل أنّ الفريق الموصوف بأنه شرى نفسه لله وطلب رضاه إنّما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب رضا الله. فهذا هو الأغلب الأظهر من تأويل الآية. وأمّا ما رُوِي من نزول الآية في أمر صهيب فإنّ ذلك غيرُ مستنكر، إذ كان غيرَ مدفوع جوازُ نزول آية من عند الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بسبب من الأسباب والمعنيُّ بها كلُّ من شمله ظاهرها».
وبنحوه قال ابنُ عطية (١/ ٥٠٢)، وكذا ابنُ تيمية (١/ ٤٨٦).
وذكر ابنُ عطية (١/ ٥٠٢ - ٥٠٣) أنّ من قال بنزول الآيات السابقة في الأخنس جعل هذه في المهاجرين والأنصار، ومن جعلها عامَّة جعل هذه كذلك. وبيَّن أن {يشري} معناه: يبيع، ومنه قوله: {وشروه بثمن بخس} [يوسف: ٢٠]، ثم نقل عن قوم أنهم قالوا: شرى بمعنى: اشترى، ثم عَلَّق، بقوله: «ويحتاج إلى هذا من تأوَّل الآية في صُهيب، لأنه اشترى نفسه بماله ولم يبعها، اللهم إلا أن يقال: إن عزْم صُهيب على قتالهم بيْعٌ لنفسه من الله تعالى فتستقيم اللفظة على معنى باع».

<<  <  ج: ص:  >  >>