ورجَّح ابنُ جرير (٣/ ٥٩٤) القول الأخير الذي قاله عمر، وعلي، وابن عباس الذي أخرجه الحاكم، وأبو هريرة، والحسن، مستندًا إلى دلالة العقل في ظاهر الآية، فقال: «وذلك أنّ الله -جل ثناؤه- وصف صفة فريقين: أحدهما: منافق يقول بلسانه خلاف ما في نفسه، وإذا اقتدر على معصية الله ركبها، وإذا لم يقتدر رامها، وإذا نُهِي أخذته العزة بالإثم بما هو به آثم. والآخر منهما: بائعٌ نفسَه، طالِبٌ من الله رضا الله. فكان الظاهر من التأويل أنّ الفريق الموصوف بأنه شرى نفسه لله وطلب رضاه إنّما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب رضا الله. فهذا هو الأغلب الأظهر من تأويل الآية. وأمّا ما رُوِي من نزول الآية في أمر صهيب فإنّ ذلك غيرُ مستنكر، إذ كان غيرَ مدفوع جوازُ نزول آية من عند الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بسبب من الأسباب والمعنيُّ بها كلُّ من شمله ظاهرها». وبنحوه قال ابنُ عطية (١/ ٥٠٢)، وكذا ابنُ تيمية (١/ ٤٨٦). وذكر ابنُ عطية (١/ ٥٠٢ - ٥٠٣) أنّ من قال بنزول الآيات السابقة في الأخنس جعل هذه في المهاجرين والأنصار، ومن جعلها عامَّة جعل هذه كذلك. وبيَّن أن {يشري} معناه: يبيع، ومنه قوله: {وشروه بثمن بخس} [يوسف: ٢٠]، ثم نقل عن قوم أنهم قالوا: شرى بمعنى: اشترى، ثم عَلَّق، بقوله: «ويحتاج إلى هذا من تأوَّل الآية في صُهيب، لأنه اشترى نفسه بماله ولم يبعها، اللهم إلا أن يقال: إن عزْم صُهيب على قتالهم بيْعٌ لنفسه من الله تعالى فتستقيم اللفظة على معنى باع».