للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٤٤٦ - عن عبد الله بن عباس -من طريق همام، عن قتادة، عن عكرمة - قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلُّهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، {فبعث الله النبيين}. قال: وكذلك في قراءة عبد الله: (كانَ النّاسَ أُمَّةٌ واحِدَةٌ فاخْتَلَفُوا) [٧٧٢] (١). (٢/ ٤٩٦)


[٧٧٢] اختُلِف في معنى الأُمَّة، وفي الناس الذين وصفهم الله بأنهم كانوا أمة واحدة؛ فقال قوم: هم الذين كانوا بين آدم ونوح، وهم عشرة قرون. وقال آخرون: بل تأويل ذلك: كان آدم على الحق، فبعث الله النبيين في ولده. وقال غيرهم: كان الناس أمة واحدة ودين واحد يوم استخرج ذرية آدم من صلبه فعرضهم على آدم. وذهب قوم إلى أنّ المعنى: كان الناس أمة واحدة على الكفر، فبعث الله النبيين.
ورَجَّح ابنُ القيم (١/ ١٧١ بتصرف) القولَ الأول الذي قاله ابن عباس من طريق عكرمة، وقتادة مستندًا إلى القراءات، والنظائر، فقال: «وهذا هو القول الصحيح في الآية؛ فإن قراءة أبى بن كعب: (فاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنذِرِينَ)، ويشهد لهذه القراءة: قوله تعالى في سورة يونس [١٩]: {وما كانَ النّاسُ إلا أُمَّةً واحِدَةً فاخْتَلَفوا}، والمقصود: أنّ العدوَّ كادَهُم، وتلاعب بهم، حتى انقسموا قسمين؛ كفارًا ومؤمنين، فكادهم بعبادة الأصنام، وإنكار البعث».
وبنحوه قال ابنُ تيمية (١/ ٤٩٠)، وزاد الاستناد لقول جمهور الصحابة والتابعين.
وكذلك رجَّحه ابنُ كثير (٢/ ٢٧٩)، فقال: «لأنّ الناس كانوا على ملة آدم - عليه السلام -، حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحًا - عليه السلام -، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض».
ووجَّهَه ابنُ جرير (٣/ ٦٢١) بقوله: "فتأويل الأُمَّة على هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس: الدِّين، كما قال النابغة الذبياني:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً وهل يَأْثَمَن ذو أُمَّةٍ وهو طائع
يعني: ذا الدِّين. فكان تأويل الآية على معنى قول هؤلاء: كان الناس أمة مجتمعة على ملة واحدة ودين واحد، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. وأصل الأمة: الجماعة تجتمع على دين واحد، ثم يكتفى بالخبر عن الأمة من الخبر عن الدين لدلالتها عليه، كما قال -جل ثناؤه-: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} [المائدة: ٤٨]، يراد به: أهل دين واحد، ومِلَّة واحدة. فوَجَّه ابنُ عباس في تأويله قوله: {كان الناس أمة واحدة} إلى أنّ الناس كانوا أهل دين واحد حتى اختلفوا".
ورجَّح ابنُ جرير (٣/ ٦٢٥ - ٦٢٦ بتصرف) أنّ الناس كانوا أمة واحدة على دين واحد فاختلفوا في دينهم، فبعث الله عند اختلافهم النبيين. ولم يرَ تخصيصَ ذلك المعنى بوقت دون وقت، مستندًا لعدم وجود دليل يقطع بصحة أيِّ وقت، فقال: «وقد يجوز أن يكون ذلك الوقت الذي كانوا فيه أمة واحدة من عهد آدم إلى عهد نوح?. وجائز أن يكون عنى الله بالأمة: آدم. وجائز أن يكون كان ذلك حين عرض على آدم خلقه. وجائز أن يكون كان ذلك في وقت غير ذلك. ولا دلالة من كتاب الله ولا خبر يثبت به الحجة على أيِّ هذه الأوقات كان ذلك، فغيرُ جائزٍ أن نقول فيه إلا ما قال الله - عز وجل - فيه من أنّ الناس كانوا أمة واحدة، فبعث الله فيهم لما اختلفوا الأنبياء والرسل. ولا يضُرُّنا الجهلُ بوقت ذلك، كما لا ينفعنا العلمُ به إذا لم يكن العلم به لله طاعة».
وذكر ابنُ عطية (١/ ٥١٢) أنّ الآية تحتمل احتمالًا آخر، وهو أن يخبر عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم أمة واحدة في خُلُوِّهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق، لولا مَنُّ الله عليهم وتفضُّلُه بالرسل إليهم. وعلَّق عليه بقوله: «فـ {كان} على هذا الثبوت لا تختص بالمضي فقط، وذلك كقوله تعالى: {وكان الله غفورا رحيما} [النساء: ٩٦]».

<<  <  ج: ص:  >  >>