فكان أول قتيل في الإسلام من المشركين، وأسروا عثمان بن عبد الله بن المُغِيرَة، والحَكَم بن كَيْسان مَوْلى هشام بن المُغِيرَة المَخْزُومِيّ، فغَدَيا بعد ذلك في المدينة، وأَفْلَتَهم نوفلُ بن عبد الله بن المغيرة المَخْزُومِيّ على فرس له جواد أنثى، فقَدِم مكةَ من الغد، وأخبر الخبر مشركي مكة، وكَرِهوا الطَّلَب؛ لأنّه أول يوم من رجب، وسار المسلمون بالأُسارى والغنيمة حتى قدِموا المدينة، فقالوا: يا نبي الله، أصَبْنا القومَ نهارًا، فلَمّا أمْسَيْنا رأينا هلال رجب، فما ندري أصبناهم في رجب أو في آخر يوم من جمادى الآخرة. وأَقْبَل مُشْرِكو مكة على مُسْلِمِيهم، فقالوا: يا مَعْشَر الصُّباة، ألا ترون أنّ إخوانكم اسْتَحَلُّوا القتال في الشهر الحرام، وأخذوا أُسارانا وأموالنا، وأنتم تزعمون أنّكم على دين الله، أفَوَجدتُم هذا في دين الله حيثُ أمِن الخائفُ، ورُبِطَتِ الخيلُ، ووُضِعَتِ الأَسِنَّةُ، وبدأ (١) الناس لِمعاشهم؟! فقال المسلمون: الله ورسوله أعلم. وكتب مسلمو مكة إلى عبد الله بن جحش: أنّ المشركين عابُونا في القتال وأَخْذِ الأسرى والأموال فِي الشهر الحرام، فاسألْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألَنا في ذلك مُتَكَلَّمٌ، أو أنزل الله بذلك قرآنًا؟ فدفع عبدُ الله بنُ جَحْشٍ الأَسَديُّ الكتاب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأنزل الله - عز وجل -: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وكُفْرٌ بِهِ والمَسْجِدِ الحَرامِ وإخْراجُ أهْلِهِ مِنهُ أكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ والفِتْنَةُ أكْبَرُ مِنَ القَتْلِ}، ... فكتب عبدُ الله بنُ جحش إلى مسلمي أهل مكة بهذه الآية، وكتب إليهم: إنْ عَيَّروكم فعَيِّرُوهم بما صنعوا. ... فكانت هذه أوَّل سرية، وأوَّل غنيمة، وأوَّل خُمُس، وأوَّل قتيل، وأوَّل أسْر كان في الإسلام. فأمّا نَوْفَلُ بن عبد الله الذي أفْلَتَ يومئذ فإنّه يوم الخندق ضرب بَطْنَ فرسه ليدخل الخندق على المسلمين في غزوة الأحزاب، فوقع في الخندق، فتَحَطَّم هو وفرسُه، فقتله الله تعالى، وطَلَب المشركون جِيفَتَه بثَمَنٍ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «خُذُوه؛ فإنّه خبيثُ الجِيفَةِ، خبيثُ الدِّيَة»(٢)[٧٨٥]. (ز)
[٧٨٥] ذكر ابن عطية (١/ ٥٢١) أن المهدوي قال بأن سبب هذه الآية أن عمرو بن أمية الضَّمْرِي قتل رجلين من بني كلاب في رجب، وانتقده بقوله: «وهذا تخليط من المهدوي».