[٨٢١] اختُلِف في معنى قوله: {أنى شئتم}؛ فقال بعضهم: معنى {أنى}: كيف. وقال آخرون: معناها: من حيث شئتم، وأي وجه أحببتم. وذهب قوم إلى أنّ معناها: متى شئتم. وذهب آخرون إلى أنّ معناها: أين وحيث شئتم. وذكر قوم أنّ المعنى: ائتوا حرثكم كيف شئتم، إن شئتم فاعزلوا، وإلا فلا. ورَجَّحَ ابنُ جرير (٣/ ٧٥٩ - ٧٦٠) القولَ الثانيَ الذي قال به ابنُ عباس من طريق عكرمة، وعكرمةُ من طريق العتكي، والربيعُ، ومجاهد من طريق ابن جريج، مستندًا إلى اللغة، والنظائر، فقال: «وذلك أنّ» أنّى «في كلام العرب كلمة تَدُلُّ -إذا ابتُدِئ بها في الكلام- على المسألة عن الوجوه والمذاهب، فكأنّ القائل إذا قال لرجل: أنّى لك هذا المال؟ يريد: مِن أيِّ الوجوه لك. ولذلك يجيب المجيبُ فيه بأن يقول: مِن كذا وكذا. كما قال الله -تعالى ذِكْرُه- مخبرًا عن زكريا في مسألته مريم: {أنى لك هذا قالت هو من عند الله} [آل عمران: ٣٧]». ثم انتَقَدَ (٣/ ٧٦١) بَقِيَّة الأقوال مُستندًا لمخالفتها اللغة، فقال: «والذي يدُلُّ على فساد قولِ مَن تَأَوَّل قول الله -تعالى ذِكْرُه-: {فأتوا حرثكم أنى شئتم}: كيف شئتم، أو تأوله بمعنى: حيث شئتم، أو بمعنى: متى شئتم، أو بمعنى: أين شئتم؛ أنّ قائلًا لو قال لآخر: أنّى تأتي أهلك؟ لكان الجواب أن يقول: مِن قُبُلها أو مِن دُبُرها. كما أخبر الله -تعالى ذكره- عن مريم إذ سُئِلَت: {أنى لك هذا}؟ أنها قالت: {هو من عند الله} [آل عمران: ٣٧]، وإذ كان ذلك هو الجواب؛ فمعلومٌ أنّ معنى قول الله -تعالى ذكره-: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} إنّما هو: فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المَأْتى، وأنّ ما عدا ذلك من التأويلات فليس للآية بتأويل». ومن ثَمَّ صَحَّح ابنُ جرير (٣/ ٧٦١) ما رُوِي عن جابر وابن عباس من أنّ هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين: إذا أتى الرجل المرأةَ من دُبُرِها في قُبُلِها جاء الولدُ أحولَ، فقال: «وبَيِّنٌ بما بَيَّنا صحة معنى ما رُوِي عن جابر، وابن عباس ... ». وكذلك قال ابنُ تيمية (١/ ٥١٥).