للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إليه من أجل مسألة واحدة، ففي "الصحيحين" عنه قال: آية اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها، فقال: "نزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: ٩٣] هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء" (١).

وقبله أبو العالية البصري (ت: ٩٣ هـ) الذي كان يتردد على مكة للقيا ابن عباس (ت: ٦٨ هـ)، حتى أنه قال: "كنت آتي ابن عباس فيرفعني على السرير وقريش أسفل من السرير، فتغامز بي قريش، وقالوا: يرفع هذا العبد على السرير؟ ! ففطن بهم ابن عباس، فقال: إن هذا العلم يزيد الشريف شرفًا، ويجلس المملوك على الأسرة" (٢).

وكذلك قتادة بن دعامة البصري (ت: ١١٧ هـ)، كان رحالة في طلب العلم، وقصته مشهورة في رحلته إلى المدينة للقيا سعيد بن المسيب (ت: ٩٣ هـ) بضعة أيام يسأله، فاستخرج كثيرًا من علمه ومن ذلك التفسير (٣).

وهكذا رحل كثير من التابعين لطلب العلم وعادوا إلى بلادهم معلمين الخير للناس، وناشرين للعلم فيهم، ولم يكتف بعضهم بذلك بل ربما رحلوا إلى غير بلادهم لنشر التفسير وعقد مجالسه، لعل من أبرزهم في ذلك عكرمة مولى ابن عباس (ت: ١٠٥ هـ)، الذي قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: "لم يدع موضعًا إِلا خرج إليه: خراسان، والشام، واليمن، ومصر، وإفريقية". بل حين جاء البصرة وجلس للتفسير هناك ترك الحسن البصري (ت: ١١٠ هـ) التفسير (٤).

كذلك نجد من التابعين من استقر في غير بلده ينشر العلم ويعلم الناس، فمن هؤلاء أبو صالح باذام مولى أم هانئ بنت أبي طالب -رضي اللَّه عنها- وتلميذ ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-؛ المكي الأصل الذي استقر بالكوفة فكان من تلاميذه بعض من أشهر مفسري السلف كإسماعيل السدي (ت: ١٢٧ هـ)، ومحمد بن السائب الكلبي (ت: ١٤٦ هـ).

ولم تقتصر الرحلة لديهم في طلب العلم ونشره، بل ربما رحلوا لأمور أخرى، كما ورد عن مجاهد (ت: ١٠٢ هـ) الذي كان "كثير الأسفار والتنقل" (٥)، فعن الأعمش،


(١) صحيح البخاري ٦/ ٤٧ (٤٥٩٠)، صحيح مسلم ٤/ ٢٣١٧ (٣٠٢٣).
(٢) تهذيب الكمال ٩/ ٢١٧.
(٣) طبقات ابن سعد ٧/ ٢٣٠، ومن هنا كان قتادة من أكثر من روى تفسير سعيد بن المسيب. ينظر: تفسير التابعين: ١/ ٣٥٢.
(٤) تهذيب الكمال ٢٠/ ٢٧٣. وينظر: تفسير التابعين ١/ ٤٢٠.
(٥) سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>