للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتى قرأ آيات من القرآن، حتى تمنيت أن يكون كل من تكلم في القدر شهده، فكان فيما قرأ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: ٤] (١).

وعن أيوب بن حسان، قال: سأل رجلٌ سفيان بن عُيَيْنَة عن القَدَرِيَّة. فقال: "يا ابن أخي، قالت القدرية ما لم يقل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ولا الملائكة، ولا النبيون، ولا أهل الجنة، ولا أهل النار، ولا ما قال أخوهم إبليس، قال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٩]، وقالت الملائكة: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: ٣٢]، وقال النبيون: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأعراف: ٨٩]، وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: ٤٣]، وقال أهل النار: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: ١٠٦]، وقال أخوهم إبليس: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: ٣٩] " (٢).

- التركيز على تفسير آيات الصفات وبيان الحق فيها، إذ كانت من أكثر الآيات التي تعمَّدها تحريف المبطلين، وشابتها شوائب المبتدعة المضلين، وذلك في أواخر عهود السلف، الذين نهضوا إلى بيان الحق فيها، وأن تلك الآيات واضحة المعنى عند الصحابة والتابعين، يثبتون ما فيها على ظاهرها دون تحريف أو تأويل، أو إنكار أو تشبيه، وعدم ورود تفسيرات جزئية لها لا يعني أنهم جهلوا معناها أو فوّضو العلم بمعناها إلى اللَّه تعالى وحده.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك ما روى ابن عيينة أن ربيعة الرأي (ت: ١٣٦ هـ) سُئل عن قوله: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: ٥٩]. كيف استوى؟ قال: "الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ معقولٍ، ومن اللَّه الرسالةُ، وعلى الرسول البلاغُ، وعلينا التصديقُ" (٣)، وبنحوه روي أيضًا عن تلميذه الإمام مالك بن أنس (ت: ١٧٩ هـ) (٤).

هذه أبرز العوامل التاريخية التي أثرت في تفسير السلف، مما أدى إلى توسعه كثيرًا عما كان عليه في العهد النبوي، ومن ثم ظهور الآلاف من مرويات التفسير عن مفسري السلف كما سنرى في هذه الموسوعة.


(١) الإبانة ٩/ ٢/ ١٦٢ - ١٦٣/ ١٦٣٠، والشريعة ١/ ٤١٧/ ٤٩٣، والسُّنَّة العبد اللَّه بن أحمد ص ١٤١.
(٢) أخرجه البيهقي في القضاء والقدر ٣/ ٨٢٤.
(٣) أخرجه اللالكائي ص ٦٦٥. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك". مجموع الفتاوى ٥/ ٣٦٥.
(٤) أخرجه اللالكائي (٦٦٤)، والبيهقي (٨٦٦)، وقال ابن حجر: سنده جيد. فتح الباري ١٣/ ٤٠٦، ٤٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>