للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جدًّا، وأرى أن ذلك تدوين فردي خاص، بمعنى أن كتابته لأجل الحفظ والمراجعة والاستذكار، كما كانت حال المحدثين يومئذ، ولم يكتبه لغيره كمصنف يؤثر عنه، لذا فإن هذه المرحلة من التدوين تختلف عن المرحلة التالية من هذه الحيثية، واللَّه أعلم.

٣ - قوله: "حتى سأله عن التفسير كله"، يدل ظاهره على عدم توقف ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن التفسير، ويؤكد هذه المعلومة مجاهد في قوله: "عرضت المصحف على ابن عباس، ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفته عند كل آية منه، وأسأله عنها".

لكن هل يدل ذلك على أن ابن عباس فسر القرآن كاملًا آية آية؟ هذا ما يظهر من عموم اللفظ، وعليه فإنه ينقض ما اشتهر من أن التفسير لم يكن متوسعًا في عهد الصحابة، وأنهم لم يفسروا جميع آيات القرآن.

ويحتمل أن المراد بقوله: "سأله عن التفسير كله"؟ أي: المشكل منه وما يحتاج إلى إيضاح، إذ الواضح لا يحتاج إلى أن يُسأل عنه، خصوصًا في ذلك الوقت المتقدم الذي لم تضعف فيه اللغة، ويفشو اللحن بصورة كبيرة، ويؤيد هذا الاحتمال أن ما نُقل من مرويات تفسير ابن عباس التي بين أيدينا لم تصل إلى ذلك الحد، واللَّه أعلم.

ومن الآثار التي تعضد هذا الأثر في كون كتابة التفسير بدأت مبكرًا:

- ما رواه سعيد بن جبير حيث قال: "كنت أكتب عند ابن عباس في ألواحي حتى أملأها ثم أكتب في نعلي" (١).

- ما جاء عن موسى بن عقبة قال: وضع عندنا كريب حمل بعير أو عدل بعير من كتب ابن عباس. قال: فكان علي بن عبد اللَّه بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: ابعث إلي بصحيفة كذا وكذا. قال: فينسخها، فيبعث إليه بإحداهما (٢).

حيث دل هذان الأثران أن تلاميذ ابن عباس كانوا يكتبون ما يلقيه إليهم من العلم كثيرًا، والظاهر أن من ذلك علم التفسير، إذ هو أكثر علم استغرق جهد ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- كما هو معلوم.


(١) العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد اللَّه ١/ ٢٣١.
(٢) الطبقات الكبرى ٥/ ٢٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>