[١٠٣٣] ذَهَبَ ابنُ جرير (٤/ ٧٠٨ - ٧٠٩) أنّ الآية في الزكاة المفروضة، فقال: «والذي هو أولى بتأويل ذلك عندنا أن يقال: إنّ الله - عز وجل - حثَّ عباده على الصدقة وأداء الزكاة من أموالهم، وفرضها عليهم فيها، فصار ما فَرَض من ذلك في أموالهم حقًّا لأهل سُهْمانِ الصدقة، ثم أمرهم -تعالى ذكره- أن يُخْرِجُوا من الطيب دون الخبيث، وهو الجيد من أموالهم الطيب، وذلك أنّ أهل السُّهْمانِ شُرَكاءُ أرْبابِ الأموال في أموالهم بما وجب لهم فيها من الصدقة بعد وجوبها، فلا شك أن كل شريكين في مال فلكل واحد منهما بقدر مِلْكِهِ، وأن ليس لأحدهما منع شريكه من حقه من المال الذي هو فيه شريكه بإعطائه بمقدار حقه منه من غيره، مما هو أرْدَأُ وأَخَسُّ منه، فكذلك المُزَكِّي مالَه حَرَّم الله عليه أن يُعْطي أهل السُّهْمانِ مما وجب لهم في ماله من الطيب الجيد من الحق، فصاروا فيه شركاء به، من الخبيث الرديء غيرِه، ويمنعهم ما هو لهم من حقوقهم في الطَّيِّبِ من ماله الجيد، كما لو كان مالُ ربِّ المال رديئًا كله غير جيد، فوجبت فيه الزكاة، وصارَ أهل سُهْمانِ الصدقة شركاء فيه بما أوْجَبَ الله لهم فيه، لم يكن عليه أن يعطيهم الطيب الجيد من غير ماله الذي منه حَقُّهُم، فقال -تبارك وتعالى- لِأَرْبابِ الأموال: زكُّوا من جيد أموالكم الجيدَ، ولا تَيَمَّمُوا الخبيث الرَّديء تُعْطُونَه أهل سُهْمانِ الصدقة، وتمنعونهم الواجب لهم من الجيد الطيب في أموالكم، ولستم بآخذي الرَّدِيءِ لأنفسكم مكان الجيد الواجب لكم قِبَلَ مَن وجَبَ لكم عليه ذلك من شركائكم وغُرَمائِكُم وغيرهم إلا عن إغْماضٍ منكم وهَضْمٍ لهم وكراهة منكم لأخذه. يقول: فلا تَأْتُوا مِن الفعل إلى مَن وجَبَ له في أموالكم حقٌّ ما لا تَرْضَوْنَ من غيركم أن يأتيه إليكم في حُقُوقِكُم الواجبة لكم في أموالهم، فأما إذا تَطَوَّعَ الرجل بصدقة غير مفروضة -فإني وإنْ كَرِهْتُ له أن يُعْطِيَ فيها إلا أجْوَدَ مالِه وأطيبَه؛ لأنّ الله تعالى ذِكْرُه أحَقُّ مَن تُقُرِّبَ إليه بِأَكْرَمِ الأموال وأطيبها، والصدقة قُرْبانُ المؤمن إليه- فلست أُحَرِّمُ عليه أن يُعْطِيَ فيها غير الجيد؛ لأن ما دون الجيد ربما كان أعَمَّ نفعًا لكثرته، أو لعِظَمِ خَطَرِهِ، وأَحْسَنَ مَوْقِعًا من المسكين، وممن أُعْطِيهُ قُرْبَةً إلى الله -جَلّ وعزّ- مِنَ الجيد، لقلته، أو لِصِغَرِ خَطَرِهِ، وقِلَّةِ جَدْوى نفعه على مَن أُعْطِيَهُ، وبمثل ما قلنا في ذلك قال جماعةُ أهلِ العلم». ثم استشهد بقول عَبيدة، وابن سيرين.