للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والتبس الصحيح بالعليل، ثم صار كل من يسنح له قول يورده، ومن يخطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانًا أن له أصلًا، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن يرجع إِليهم في التفسير، حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧]، نحو عشرة أقوال، وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي وجميع الصحابة والتابعين وأتباعهم، حتى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في ذلك اختلافًا بين المفسرين" (١).

وظاهر كلام السيوطي أن اختصار الأسانيد انتشر كظاهرة في القرن الرابع الهجري، لكن بداياتها كانت قبل ذلك، ويمكن القول: إنها مرت بصور عديدة متداخلة زمنيًّا، حتى استقرت على الحال المعروفة من حذف الأسانيد بصورة كاملة، فمن تلك الصور والمراحل:

١ - دمج الأسانيد بعضها في بعض في إسناد واحد بحيث لا يتميز القائل وقوله، وهذا واضح عند السدي (ت: ١٢٧ هـ) في النسخة التي جمعها من تفسير ابن مسعود وناس من الصحابة من طريق مرة الهمداني، وتفسير ابن عباس من طريق أبي صالح وأبي مالك، وقد انتقد الإمام أحمد هذه الطريقة فقال عن السدي: "إنه ليحسن الحديث، إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به قد جعل له إسنادًا، واستكلفه" (٢).

٢ - حذف الإسناد أثناء التفسير، وكذلك القائل أيضًا عند البعض، وهو واضح وصريح عند مقاتل بن سليمان (ت: ١٥٠ هـ) في تفسيره الكبير، وربما يكون أول من فتح باب حذف أسانيد التفسير (٣)، وقد عيب عليه ذلك الصنيع، فقال عبد اللَّه بن المبارك حين وقف على تفسيره: "يا له من علم لو كان له إسناد" (٤).

٣ - اختصار الأسانيد أثناء التفسير: وهو جلي عند يحيى بن سلام (ت: ٢٠٠ هـ) في تفسيره، حيث يسقط بعض رجال السند أحيانًا. فمثلًا تجده أحيانًا يسند عن قتادة، فيذكر الواسطة وكثيرًا ما يحذفها (٥).

٤ - الالتزام بالإسناد في بعض الروايات، وحذفها في البعض الآخر اختصارًا، وهذا منهج التزمه ابن أبي حاتم (ت: ٣٢٧ هـ) في تفسيره، حيث قال في مقدمته: "سألني


(١) الإتقان ٦/ ٢٣٤٣.
(٢) تهذيب التهذيب ١٠/ ٣١٤.
(٣) ينظر: تفسير أتباع التابعين ص ٧٧.
(٤) تهذيب التهذيب ١٠/ ٢٧٩.
(٥) تنظر أمثلة لذلك في: تفسيره ١/ ٥٤، ٥٨، ٢/ ٥٣٦، ٥٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>