للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصحاب ابن عباس ملازمة له- وهنا يأتي السؤال عن سبب ذلك مع إمامة عكرمة في التفسير وشهرته وتقدمه فيه، نجمل أسباب ذلك في سببين اثنين:

١ - اتهامه بالكذب على ابن عباس.

٢ - ما اشتهر من انتحاله لمذهب الخوارج.

وهما من أبرز الأسباب التي زهّدت معاصري عكرمة ومَن بَعده في مروياته وتفسيره، واتخاذهم موقفًا ضده، فقد ذمّه سعيد بن المسيب، ولم يرو عنه ابن سيرين إِلا مبهمًا (١)، وتكلم فيه الإمام مالك. حتى رُوِي أنه مات بالمدينة وأُتي بجنازته فما أحد من أهل المسجد حلّ حبوته إليها، بل قيل: إنه لم يحمله أحد، اكتروا له أربعة. وعقّب الذهبي على ذلك فقال: "ما تركوا عكرمة -مع علمه- إِلا عن بلية كبيرة في نفوسهم له -رضي اللَّه عنه-" (٢).

وقد تباينت آراء النقاد في ثبوت هذه التهم -خصوصًا انتحاله بعض آراء الخوارج- ما بين مثبت ومنكر، قال الذهبي بعد ما أورد بعض كلام الفريقين: "فالذين أهدروه كبار، والذين احتجوا به كبار، واللَّه أعلم بالصواب" (٣). وقال ابن حجر مُعقِّبًا على تلك الآراء المتضاربة: "والذي أنكر عليه مالك إنما هو بسبب رأيه، على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك، وإنما كان يوافق في بعض المسائل فنسبوه إليهم، وقد برَّأه أحمد والعجلي من ذلك، فقال في كتاب "الثقات" له: عكرمة مولى ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-؛ مكي تابعي ثقة برئ مما يرميه الناس به من الحرورية" (٤).

وقد أنصف ابن منده في تلك القضية فقال: "وأما حال عكرمة في نفسه، فقد عدّله أمَّةٌ من نبلاء التابعين فمن بعدهم، وحدَّثوا عنه، واحتّجوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام، روى عنه زهاء ثلاثمائة رجل من البلدان، منهم زيادة على سبعين رجلًا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكثير من التابعين، على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك من الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه، وكان


(١) فقد روى ابن سعد في طبقاته ٧/ ١٩٤، عن خالد الحذاء أنه قال: "كل شيء قال محمد: نبئت عن ابن عباس، إنما سمعه من عكرمة، لقيه أيام المختار بالكوفة".
(٢) سير أعلام النبلاء ٥/ ٣٤.
(٣) سير أعلام النبلاء ٥/ ٣٤.
(٤) هدي الساري "مقدمة فتح الباري" ص ٤٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>