[١٣٥٤] وجَّه ابنُ جرير (٥/ ٦٩٨) الآثار الواردة في معنى: {آناءَ اللَّيْلِ} بأنها على اختلافها متقاربة المعنى، وجمع بينها، فقال: «وذلك أنّ الله -تعالى ذِكْرُه- وصف هؤلاء القوم بأنهم يتلون آيات الله في ساعات الليل، وهي: آناؤه، وقد يكون تاليها في صلاة العشاء تاليًا لها آناء الليل، وكذلك مَن تلاها فيما بَيْن المغرب والعشاء، ومَن تلاها جوفَ الليل، فكلٌّ تالٍ لها ساعات الليل». غير أنه رَجَّح مستندًا إلى السنة قولَ مَن قال: إنّها تلاوة القرآن في صلاة العشاء. مستدلاًّ بأنّها صلاةٌ لا يصليها أحدٌ مِن أهل الكتاب، كما جاء في حديث ابن مسعود، ثُمَّ قال: «فوصف الله -جلَّ ثناؤه- أُمَّةَ محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنهم يُصَلُّونها دون أهل الكتاب الذين كفروا بالله ورسوله». [١٣٥٥] فسَّر مقاتل {وهم يسجدون}، أي: يصلون بالليل. وذكر ابنُ جرير (٥/ ٦٩٨ - ٦٩٩) هذا المعنى عن بعض أهل العربية، ولم يُسنِده عن مقاتل، ثم انتقده مستندًا إلى المعنى الأشهر للسجود، وبيَّن أنّ المعنى: مِن أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل في صلاتهم، وهم مع ذلك يسجدون فيها. فالسجود هو السجود المعروف في الصلاة. وحَسَّن ابن عطية (٢/ ٣٢٦) المعنى الذي ذهب إليه ابنُ جرير مِن جهةِ العقلِ، فقال: «مِن جهة أنّ التلاوة آناء الليل قد يعتقد السامعُ أنّ ذلك في غير الصلاة».