للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المشركين يوم بدر (١) [١٤٣٦]. (ز)

١٥٠٩٠ - عن قتادة بن دِعامة -من طريق مَعْمَر- {فأثابكم غما بغم}، قال: الغمُّ الأول الجراحُ والقتلُ، والغمُّ الآخَرُ حين سمعوا أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قُتِل، فأنساهم الغمُّ الآخَرُ ما أصابهم من الجراح والقتل، وما كانوا يرجون من الغنيمة، وذلك قولُه: {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم} (٢). (٤/ ٧٦)

١٥٠٩١ - عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر-، مثله (٣). (٤/ ٧٦)

١٥٠٩٢ - عن إسماعيل السُّدِّيِّ -من طريق أسباط- قال: انطلق النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ يدعو الناسَ حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة، فلما رأوه وضع رجلٌ سهمًا في قوسه، فأراد أن يرميه، فقال: «أنا رسول الله». ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيًّا، وفرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأى أنّ في أصحابه مَن يمتنع، فلمّا اجتمعوا وفيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذهب عنهم الحزن، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قُتِلوا، فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم، فلما نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه، وهمَّهم أبو سفيان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس لهم أن يعلونا. اللَّهُمَّ، إن تُقْتَل هذه العصابة لا تُعْبَد». ثم ندب أصحابه، فرَمَوْهم بالحجارة حتى أنزلوهم. فذلك قوله: {فأثابكم غما بغم} الغمُّ الأول ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والغمُّ الثاني إشرافُ العدوِّ عليهم (٤) [١٤٣٧]. (٤/ ٧٦)


[١٤٣٦] ذكر ابنُ عطية (٢/ ٣٩١) أنّ الباء على هذا القول باءُ المعادلة، كما قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال.
[١٤٣٧] رجَّح ابنُ جرير (٦/ ١٥٨) هذا القول الذي قال به السدي، وابن إسحاق، ومجاهد، مستندًا إلى القرآن، فقال: «والذي يدلُّ على أنّ ذلك أولى بتأويل الآية مما خالفه من الأقوال قولُه: {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم}، والفائت لا شكَّ أنه هو ما كانوا رجوا الوصول إليه من غيرهم، إمّا من ظهورٍ عليهم بغلبهم، وإمّا من غنيمة يحتازونها، وأنّ قوله: {ولا ما أصابكم} هو ما أصابهم إمّا في أبدانهم، وإمّا في إخوانهم. فإن كان ذلك كذلك فمعلومٌ أنّ الغم الثاني هو معنى غير هذين؛ لأنّ الله - عز وجل - أخبر عباده المؤمنين به مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه أثابهم غمًّا بغمٍّ لِئَلّا يُحزِنهم ما نالهم من الغمِّ الناشئ عما فاتهم مِن غيرهم، ولا ما أصابهم قبل ذلك في أنفسهم، وهو الغمُّ الأول على ما قد بيناه قبلُ».ورَجَّحه ابنُ القيم (١/ ٢٤٦) -مستندًا إلى دلالة العقل، وظاهر الآية- بما يأتي:

١ - أن قوله: {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم} تنبيهٌ على حكمة هذا الغمِّ بعد الغمِّ، وهو أن ينسيهم الحزن على ما فاتهم مِن الظفر وعلى ما أصابهم من الهزيمة والجراح، فنسوا بذلك السبب، وهذا إنما يحصل بالغمِّ الذي يعقبه غَمٌّ آخر.

٢ - مطابقته للواقع، فإنّه حصل لهم غمُّ فوات الغنيمة، ثم أعقبه غمُّ الهزيمة، ثم غمُّ الجراح التي أصابتهم، ثم غمُّ القتل، ثم غمُّ سماعهم أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قُتِل، ثم غمُّ ظهور أعدائهم على الجبل فوقهم، وليس المراد غمَّيْن اثنين خاصَّةً، بل غمًّا متتابعًا لتمام الابتلاء والامتحان.

٣ - أنّ قوله: {بغم} من تمام الثواب، لا أنّه سبب جزاء الثواب، والمعنى: أثابكم غمًّا مُتَّصِلًا بغمٍّ جزاء على ما وقع منهم من الهروب، وإسلامِهم نبيَّهم - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه، وتركِ استجابتهم له وهو يدعوهم، ومخالفتِهم له في لزوم مركزهم، وتنازعِهم في الأمر وفشلهم، وكلُّ واحد من هذه الأمور يُوجِب غمًّا يخصه، فترادفت عليهم الغموم، كما ترادفت منهم أسبابُها وموجباتُها، ولولا أن تداركهم بعفوه لكان أمرًا آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>