قال: أن يَقْسِم لطائفةٍ ولا يقسم لطائفة، وأن يجور في الحكم، وفي القَسْم (١). (٤/ ٩٥)
١٥٢٦١ - عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- {وما كان لنبي أن يغل}، قال: أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة، ويجور في القسمة، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر الله، ويحكم فيه بما أنزل الله. يقول: ما كان الله ليجعل نبيًّا يَغُلُّ من أصحابه، فإذا فعل ذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَنُّوا به (٢)[١٤٥٥]. (٤/ ٩٤)
[١٤٥٥] رجَّح ابنُ جرير (٦/ ٢٠٠ - ٢٠١) هذا القول مستندًا للسياق، ولموافقته قراءة فتح الياء وضم الغين التي رجَّحها، فقال: «وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي قراءةُ مَن قرأ: {وما كان لنبي أن يغل}، بمعنى: ما الغلولُ مِن صفات الأنبياء، ولا يكون نبيًّا مَن غَلَّ. وإنما اخترنا ذلك لأنّ الله - عز وجل - أوعد عقيب قوله: {وما كان لنبي أن يغل} أهلَ الغلول، فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} الآية والتي بعدها. فكان في وعيده عَقِيب ذلك أهلَ الغلول الدليلُ الواضحُ على أنّه إنّما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أنّ الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله: {وما كان لنبي أن يغل}؛ لأنّه لو كان إنما نهى بذلك أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتهموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغلول لَعَقَّب ذلك بالوعيد على التهمة وسوء الظن برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا بالوعيد على الغلول، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيان بيِّنٌ أنّه إنّما عَرَّف المؤمنين وغيرَهم من عباده أنّ الغلول مُنتَفٍ مِن صفة الأنبياء وأخلاقهم؛ لأنّ ذلك جُرم عظيم، والأنبياء لا تأتي مثلَه. فإن قال قائلٌ مِمَّن قرأ ذلك كذلك: فأَوْلى منه: وما كان لنبي أن يخونه أصحابه إن كان ذلك كما ذكرت، ولم يعقب الله قوله: {وما كان لنبي أن يغل} إلا بالوعيد على الغلول، ولكنَّه إنما وجب الحكم بالصحة لقراءة مَن قرأ:» يُغَلَّ «بضم الياء وفتح الغين؛ لأن معنى ذلك: وما كان للنبي أن يغله أصحابه، فيخونوه في الغنائم. قيل له: أفكان لهم أن يغلوا غير النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخونوه حتى خُصُّوا بالنهي عن خيانة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فإن قالوا: نعم. خرجوا مِن قول أهل الإسلام؛ لأنّ الله لم يُبِح خيانةَ أحدٍ في قول أحد من أهل الإسلام قط. فإن قال قائل: لم يكن ذلك لهم في نبيٍّ ولا غيره. قيل: فما وجه خصوصهم إذًا بالنهي عن خيانة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغلولُه وغلولُ بعضِ اليهود بمنزلةٍ فيما حرَّم اللهُ على الغالِّ مِن أموالهما، وما يلزم المؤتمن مِن أداء الأمانة إليهما؟! وإذا كان ذلك كذلك فمعلوم أنّ معنى ذلك هو ما قلنا مِن أنّ الله - عز وجل - نفى بذلك أن يكون الغلول والخيانة مِن صفات أنبيائه، ناهيًا بذلك عباده عن الغلول، وآمرًا لهم بالاستنان بمنهاج نبيهم، كما قال ابن عباس في الرواية التي ذكرناها من رواية عطية، ثم عقَّب -تعالى ذِكْرُه- نهيَهم عن الغلول بالوعيد عليه، فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} الآيتين معًا».