للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقسطوا في اليتامى} إلى {ما ملكت أيمانكم}، يقول: فإن خِفتُم الجَوْرَ في اليتامى وغمَّكُم ذلك؛ فكذلك فخافوا في جمع النساء. قال: وكان الرجل يتزوج العشر في الجاهلية فما دون ذلك، وأحل الله أربعًا، وصيَّرَهُنَّ إلى أربع، يقول: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة}. فإن خِفتَ ألا تعدل في واحدة فما مَلَكَتْ يمينُك (١). (ز)

١٦٠٥٩ - عن ربيعة [بن أبي عبد الرحمن]-من طريق يونس بن يزيد- في قول الله: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى}، قال: يقول: اترُكُوهُنَّ، فقد أحللتُ لكم أربعًا (٢). (ز)

١٦٠٦٠ - قال مقاتل بن سليمان: قال سبحانه: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى}، يقول: ألا تعدلوا في أمر اليتامى، فخافوا الإثم في أمر النساء، واعدلوا بينهن، فذلك قوله - عز وجل -: {فانكحوا ما طاب لكم} (٣) [١٥١٥]. (ز)


[١٥١٥] أفادت الآثار الاختلافَ في تأويل الآية، على خمسة أقوال: أولها: أنّ المعنى: إن خفتم ألا تعدلوا في نكاح اليتامى فانكحوا ما حَلَّ لكم مِن غيرهن من النساء. ثانيها: أنّ المعنى: النهي عن نكاح ما فوق الأربع حذارًا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم، وذلك أنّ قريشًا كان الرجلُ منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل، فإذا صار معدمًا، مالَ على مالِ يتيمه الذي في حجره فأنفقه أو تزوج به. فنُهُوا عن ذلك. ثالثها: أنّ المعنى: كما خفتم ألّا تعدلوا في أموال اليتامى؛ فهكذا خافوا ألا تعدلوا في النساء، وذلك أنهم كانوا يخافون ألّا يعدلوا في أموال اليتامى، ولا يخافون أن لا يعدلوا في النساء، فأنزل الله تعالى هذه الآية. رابعها: أنّ المعنى: كما خفتم في أموال اليتامى فخافوا الزِّنا، وانكحوا ما طاب لكم من النساء، وذلك أنهم كانوا يتَوَقَّوْن أموال اليتامى، ولا يتَوَقَّوْن الزِّنا. خامسها: المراد: وإن خفتم ألا تُقْسِطُوا في اليتامى اللاتي أنتم وُلاتُهُنَّ فلا تَنكحِوهن، وانكِحوا أنتم ما حلَّ لكم منهن.
ورَجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٣٦٧ - ٣٦٨ بتصرف) القولَ الثالثَ، وهو قول سعيد بن جبير، والسديّ، وقتادة، والضحاك، وقول لابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة؛ استنادًا إلى السياق، وقال: «إنّما قلنا: إنّ ذلك أولى بتأويل الآية لأنّ الله -جل ثناؤه- افتتح الآية التي قبلها بالنهيِ عن أكل أموال اليتامى بغير حقها، وخَلطِها بغيرها من الأموال، فقال -تعالى ذكره-: {وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ ولا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ولا تَأْكُلُوا أمْوالَهُمْ إلى أمْوالِكُمْ إنَّهُ كانَ حُوبًا كَبِيرًا}. ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا اللهَ في ذلك فتحرّجوا فيه، فالواجبُ عليهم مِن اتقاء الله والتحرّج في أمر النساء مثلُ الذي عليهم مِن التحرُّجِ في أمر اليتامى، وأعلمهم كيف المَخْلَصُ لهم مِن الجَوْرِ فيهن كما عرَّفهم المخلص لهم مِن الجور في أموال اليتامى، فقال: انكحوا -إن أمِنتُمُ الجَوْر في النساء على أنفسكم- ما أبحتُ لكم منهن وحلَّلْتُه مثنى وثُلاث ورباع، فإن خفتم أيضًا الجَوْر في أمرهن على أنفسكم في أمر الواحدة، بألّا تقدروا على إنصافها، فلا تنكحوها، ولكن تسرَّوْا مِن المماليك، فإنّكم أحرى ألّا تجوروا عليهن؛ لأنهنَّ أملاككم وأموالكم، ولا يلزمكم لهنَّ مِن الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر، فيكون ذلك أقربَ لكم إلى السلامة من الإثم والجور. ففي الكلام -إذ كان المعنى ما قلنا- متروكٌ اسْتُغْنِي بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذِكره. فإن قال قائل: فأين جواب قوله: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى}؟ قيل: قوله: {فانكحوا ما طاب لكم}، غير أنّ المعنى الذي يدُلُّ على أنّ المراد بذلك ما قُلنا قولُه: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا}».
وذكر ابنُ عطية (٢/ ٤٦٥) أنّ أبا عبيدة قال: {خفتم} هنا بمعنى: أيقنتم. وانتَقَدَه مستندًا للغة، فقال: «وما قاله غيرُ صحيح، ولا يكونُ الخوف بمعنى اليقين بوجهٍ، وإنّما هو من أفعال التوقع، إلا أنه قد يميل الظنُّ فيه إلى إحدى الجهتين. وأمّا أن يصل إلى حد اليقين فلا».

<<  <  ج: ص:  >  >>