ورَجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٣٦٧ - ٣٦٨ بتصرف) القولَ الثالثَ، وهو قول سعيد بن جبير، والسديّ، وقتادة، والضحاك، وقول لابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة؛ استنادًا إلى السياق، وقال: «إنّما قلنا: إنّ ذلك أولى بتأويل الآية لأنّ الله -جل ثناؤه- افتتح الآية التي قبلها بالنهيِ عن أكل أموال اليتامى بغير حقها، وخَلطِها بغيرها من الأموال، فقال -تعالى ذكره-: {وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ ولا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ولا تَأْكُلُوا أمْوالَهُمْ إلى أمْوالِكُمْ إنَّهُ كانَ حُوبًا كَبِيرًا}. ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا اللهَ في ذلك فتحرّجوا فيه، فالواجبُ عليهم مِن اتقاء الله والتحرّج في أمر النساء مثلُ الذي عليهم مِن التحرُّجِ في أمر اليتامى، وأعلمهم كيف المَخْلَصُ لهم مِن الجَوْرِ فيهن كما عرَّفهم المخلص لهم مِن الجور في أموال اليتامى، فقال: انكحوا -إن أمِنتُمُ الجَوْر في النساء على أنفسكم- ما أبحتُ لكم منهن وحلَّلْتُه مثنى وثُلاث ورباع، فإن خفتم أيضًا الجَوْر في أمرهن على أنفسكم في أمر الواحدة، بألّا تقدروا على إنصافها، فلا تنكحوها، ولكن تسرَّوْا مِن المماليك، فإنّكم أحرى ألّا تجوروا عليهن؛ لأنهنَّ أملاككم وأموالكم، ولا يلزمكم لهنَّ مِن الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر، فيكون ذلك أقربَ لكم إلى السلامة من الإثم والجور. ففي الكلام -إذ كان المعنى ما قلنا- متروكٌ اسْتُغْنِي بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذِكره. فإن قال قائل: فأين جواب قوله: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى}؟ قيل: قوله: {فانكحوا ما طاب لكم}، غير أنّ المعنى الذي يدُلُّ على أنّ المراد بذلك ما قُلنا قولُه: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا}». وذكر ابنُ عطية (٢/ ٤٦٥) أنّ أبا عبيدة قال: {خفتم} هنا بمعنى: أيقنتم. وانتَقَدَه مستندًا للغة، فقال: «وما قاله غيرُ صحيح، ولا يكونُ الخوف بمعنى اليقين بوجهٍ، وإنّما هو من أفعال التوقع، إلا أنه قد يميل الظنُّ فيه إلى إحدى الجهتين. وأمّا أن يصل إلى حد اليقين فلا».