وذَهَبَ ابنُ جرير (٦/ ٤٨٩ - ٤٩٠) إلى أنّها ما بَيَّنَه الله مِن تفاصيل فرائضه مستندًا إلى اللغة، والسياق، فقال: «أوْلى الأقوالِ في ذلك بالصواب ما نحن مُبَيِّنوه، وهو أنّ حدَّ كُلِّ شيء: ما فَصَل بينه وبين غيره. ولذلك قيل لحدود الدار وحدود الأرضين: حدود؛ لفصلها بين ما حُدَّ بها وبين غيره. فكذلك قوله: {تلك حدود الله} معناه: هذه القسمة التي قسمها لكم ربُّكم، والفرائضُ التي فرضها لأحيائكم من موتاكم في هذه الآية على ما فرض وبيَّن في هاتين الآيتين {حدود الله}، يعني: فصول ما بين طاعة الله ومعصيته في قسمكم مواريث موتاكم، كما قال ابن عباس. وإنما تُرِك طاعة الله -والمعنىُّ بذلك: حدود طاعة الله- اكتفاءً بمعرفة المخاطَبين بذلك بمعنى الكلام مِن ذكرها. والدليلُ على صِحَّة ما قلنا في ذلك قولُه: {ومن يطع الله ورسوله}، والآية التي بعدها: {ومن يعص الله ورسوله}. فتأويل الآية إذًا: هذه القسمة التي قسم بينكم، أيها الناس، عليها ربكم مواريثَ موتاكم؛ فصولٌ فصَل بها لكم بين طاعته ومعصيته، وحدودٌ لكم تنتهون إليها فلا تتعدَّوها، ليعلم منكم أهلَ طاعته من أهل معصيته فيما أمركم به مِن قسمة مواريث موتاكم بينكم، وفيما نهاكم عنه منها». وعَلَّقَ ابنُ عطية (٢/ ٤٨٩) على تلك التأويلات بقوله: «هذا كلُّه معنًى واحد، وعبارةٌ مختلفة».