وذَهَبَ ابنُ جرير (٦/ ٥٠٣ - ٥٠٤) إلى أنّ الأذى في الآية مُجْمَلٌ، أُخِذَ تفسيره في البكر مِن آية النور، وفي الثَّيِّبِ من السُّنَّةِ، مع دلالة الإجماع، فقال: «أوْلى الأقوال في ذلك بالصوابِ أن يُقال: إنّ الله -تعالى ذِكْرُه- كان أمَرَ المؤمنين بأذى الزانيين المذكورين إذا أتيا ذلك، وهما من أهل الإسلام. والأذى قد يقع لكل مكروهٍ نال الإنسانَ؛ مِن قول سَيِّءٍ باللسان، أو فعل، وليس في الآية بيانُ أيِّ ذلك كان أمَرَ به المؤمنين يومئذ، ولا خبر به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن نَقْل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئهما قطعَ العذر، وأهلُ التأويل في ذلك مختلفون، وجائِزٌ أن يكون ذلك أذًى باللسان، أو اليد، وجائزٌ أن يكون كان أذًى بهما، وليس في العلم بأيِّ ذلك كان مِن أيٍّ نفعٌ في دين ولا دنيا، ولا في الجهل به مضرة؛ إذْ كان الله -جل ثناؤه- قد نسخ ذلك من مُحْكَمه بما أوجب مِن الحكم على عباده فيهما وفي اللاتي قبلهما. فأما الذي أوجب مِن الحكم عليهم فيهما، فما أوجب في سورة النور، بقوله: {الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ}. وأمّا الذي أوْجَبَ في اللّاتي قبلهما، فالرجم الذي قضى به رسول الله فيهما. وأجمع أهل التأويل جميعًا على أنّ الله -تعالى ذِكْرُه- قد جعل لأهل الفاحشة مِن الزناة والزواني سبيلًا بالحدود التي حكم بها فيهم». وقال ابنُ تيمية (٢/ ٢١٤): «قوله تعالى: {فآذوهما} أمر بالأذى مطلقًا، ولم يذكر كيفيته وصفته ولا قدره، بل ذكر أنّه يجب إيذاؤهما. ولفظ الأذى يستعمل في الأقوال كثيرًا؛ كقوله: {لن يضروكم إلا أذى} [آل عمران: ١١١]، وقوله: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} [الأحزاب: ٥٧]، {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} [الأحزاب: ٥٨]، {ومنهم الذين يؤذون النبي} [التوبة: ٦١]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله»، ونظائر ذلك كثيرة».