للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٧٨٠ - عن إسماعيل السُّدِّيِّ -من طريق أسباط- {ثم يتوبون من قريب}، قال: والقريبُ قبل الموت، ما دام في صِحَّتِه (١). (ز)

١٦٧٨١ - وعن قتادة بن دِعامة، نحوه (٢). (ز)

١٦٧٨٢ - قال محمد بن السائب الكلبي، في قوله: {ثم يتوبون من قريب}: القريبُ أن يتوبَ في صِحَّتِه قبل مرض موتِه (٣). (ز)

١٦٧٨٣ - قال مقاتل بن سليمان: {ثم يتوبون من قريب} يعني: قبل الموت، {فأولئك يتوب الله عليهم} يعني: يتجاوز عنهم، {وكان الله عليما حكيما} (٤). (ز)

١٦٧٨٤ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {ثم يتوبون من قريب}، قال: قبل الموت (٥) [١٥٦٥]. (ز)


[١٥٦٥] أفادت الآثارُ الاختلافَ في معنى قوله تعالى: {يتوبون من قريب} على ثلاثة أقوال: أولها: معناه: يتوبون في صِحَّتِهم قبل موتهم، وقبل مرضهم. وهذا قول السدي، وابن عباس من طريق أبي صالح. وثانيها: معناه: يتوبون قبل معاينة مَلَكِ الموت. وهذا قول أبي مجلز، ومحمد بن قيس، والضحاك من طريق جويبر، وغيرهم، وقول لابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة. وثالثها: معناه: يتوبون قبل الموت. وهذا قول عكرمة، وابن زيد، وأبي قلابة.
ورَجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٥١٥) الجمعَ بين الأقوال مستندًا إلى واقع الحال، ودلالة العقل، فقال: «وأَوْلى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: تأويله: ثُمَّ يتوبون قبل مماتهم، في الحال التي يفهمون فيها أمرَ الله تبارك وتعالى ونهيَه، وقبل أن يُغلبوا على أنفسهم وعقولهم، وقبل حال اشتغالهم بكرب الحَشْرجة وغمِّ الغرغرة، فلا يعرفوا أمرَ الله ونهيَه، ولا يعقلوا التوبة؛ لأنّ التوبةَ لا تكون توبةً إلا مِمَّن ندِم على ما سلف منه، وعزمٍ منه على ترك المعاودة، وهو يعقل الندم، ويختار ترك المعاودة. فأما إذا كان بكرب الموت مشغولًا، وبغمّ الحشرجة مغمورًا؛ فلا إخالُه إلا عن الندم على ذنوبه مغلوبًا. ولذلك قال مَن قال: إنّ التوبةَ مقبولةٌ ما لم يُغَرْغِرُ العبد بنفسه. فإن كان المرء في تلك الحال يعقل عقلَ الصحيح، ويفهم فهم العاقل الأريب، فأحدث إنابةً من ذنوبه، ورجعةً من شروده عن رَبه إلى طاعته، كان -إن شاء اللهُ- مِمَّن دخل في وعد الله الذي وعد التائبين إليه من إجرامهم من قريب بقوله: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب}».
وعلَّقَ ابنُ عطية (٢/ ٤٩٦) على الآثار جامعًا بينها بقوله: «ابن عباس - رضي الله عنهما - ذكر أحسن أوقات التوبة، والجمهور حدَّدوا آخر وقتها».
وقال ابنُ تيمية (٢/ ٢١٨): «المريض تُقبلُ توبته ما لم يُغَرْغِر، وإن كان مرضًا مخوفًا». وقال (٢/ ٢١٩): «فمن قال: إنِّي تُبتُ. قبل حضور الموت، أو تاب توبةً صحيحة بعد حضور أسباب الموت؛ صَحَّت توبتُه».
وذَهَبَ ابنُ كثير (٣/ ٣٩٤ - ٣٩٥) إلى نحو قول ابنِ جرير مستندًا إلى السياق، والقرآن، والنظائر، وقال: «فقد دلَّت هذه الأحاديثُ على أنّ مَن تاب إلى الله - عز وجل - وهو يرجو الحياة فإنّ توبته مقبولة؛ ولهذا قال تعالى: {فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}. فأمّا متى وقع الإياس من الحياة، وعاين الملك، وحَشْرَجَتِ الروح في الحلق، وضاق بها الصدر، وبلغت الحلقوم، وغَرْغَرَتِ النفس صاعدة في الغَلاصِم؛ فلا توبة مقبولة حينئذ ولات حين مناص، ولهذا قال تعالى: {ولَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إذا حَضَرَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ}، وهذا كما قال تعالى: {فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللَّهِ وحْدَهُ وكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا} [غافر: ٨٤]، وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ فِي إيمانِها خَيْرًا} [الأنعام: ١٥٨]».
وقال ابنُ القيم (١/ ٢٦٨): «إذا وقع في السياق فقال: إني تبت الآن. لم تقبل توبتُه؛ ذلك لأنها توبةُ اضطرارٍ لا اختيار، فهي كالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها، ويوم القيامة، وعند معاينة بأس الله».

<<  <  ج: ص:  >  >>