للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سلف}؟ قال: كان الأبناءُ ينكِحُون نساءَ آبائهم في الجاهلية (١). (٤/ ٣٠٠)

١٦٩٩٧ - عن قتادة بن دِعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: {إلا ما قد سلف}، قال: كان الرجلُ في الجاهلية ينكِحُ امرأةَ أبيه (٢). (٤/ ٣٠١)

١٦٩٩٨ - قال مقاتل بن سليمان: {إلا ما قد سلف}؛ لأنّ العرب كانت تفعل ذلك قبل التحريم، وذلك أنّ [محصنًا] مات أبوه، فشدَّ على امرأته فتزوجها، وهو محصن بن أبي قيس بن الأسلت الأنصاري، من بني الحارث بن الخزرج، وكبشة بنت معن بن معبد، وفي شريك وفي امرأته كجة. وقال سبحانه: {إلا ما قد سلف}؛ لأنّ العرب كانوا ينكحون نساء الآباء. ثُمَّ حُرِّم النسب والصهر ولم يقل: إلا ما قد سلف؛ لأنّ العرب كانت لا تنكح النسب والصهر. وقال - عز وجل - في الأختين: {إلا ما قد سلف}؛ لأنهم كانوا يجمعون بينهما (٣) [١٥٨٨]. (ز)


[١٥٨٨] أفادت الآثارُ الاختلافَ في معنى قوله: {إلا ما قد سلف} على أربعة أقوال: أولها: لكن ما قد سلف فدعوه فإنّكم تؤاخذون به، وهو من الاستثناء المنقطع. وثانيها: لا تنكحوا كنكاح آبائكم في الجاهلية على الوجه الفاسد، إلا ما سلف منكم في جاهليتكم فإنّه معفُوٌّ عنه إذا كان مما يجوز الإقرار عليه. وهذا قول بعض التابعين. وثالثها: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز، إلا ما قد سلف منهم بالزنا والسفاح، فإنّ نكاحهن حلال لكم؛ لأنهن لم يَكُنَّ حلالًا، وإنما كان نكاحهن فاحشة ومقتًا وساء سبيلًا. وهذا قول ابن زيد.
ورجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٥٥١) القولَ الثانيَ استنادًا إلى ظاهر الآية، والدلالة اللغوية، وقال: «إنّما قلنا: إنّ ذلك هو التأويل الموافق لظاهر التنزيل؛ إذ كانت» ما «في كلام العرب لغير بني آدم، وأنّه لو كان المقصود بذلك النهي عن حلائل الآباء دون سائر ما كان من مَناكح آبائِهم حرامًا ابتداءُ مثله في الإسلام بِنَهْي الله -جل ثناؤه- عنه؛ لقيل: ولا تنكحوا مَن نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف. لأنّ ذلك هو المعروف في كلام العرب؛ إذ كان» مَن «لبني آدم، و» ما «لغيرهم، ولم يُقَلْ: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء. وأما قوله -تعالى ذِكْرُه-: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} فإنّه يدخل في {ما} ما كان مِن مناكح آبائهم التي كانوا يتناكحونها في جاهليتهم، فحرَّم عليهم في الإسلام بهذه الآية نكاحَ حلائل الآباء، وكلَّ نكاح سواه نهى الله -تعالى ذكره- ابتداء مثله في الإسلام، مما كان أهل الجاهلية يتناكحونه في شِرْكهم».
ويفهم مِن كلام ابن القيم (١/ ٢٧٠) ميله للقول الأول مستندًا لدلالةٍ عقليّة، حيث قال: «لَمّا نهى سبحانه عن نكاح منكوحات الآباء أفادَ ذلك أنّ وطأهن بعد التحريم لا يكون نكاحًا البتة، بل لا يكون إلا سفاحًا، فلا يترتب عليه أحكام النكاح مِن ثبوت الفراش، ولحوق النسب، بل الولد فيه يكون ولد زنية، وليس هذا حكم ما سلف قبل التحريم، فإنّ الفراش كان ثابتًا فيه والنسب لاحق، فأفاد الاستثناء فائدةً جليلة عظيمة، وهي أنّ ولد مَن نكح ما نكح أبوه قبل التحريم ثابت النسب، وليس ولد زنا».

<<  <  ج: ص:  >  >>