ورجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٦٣٦ - ٦٣٧ بتصرف) القولَ الأولَ استنادًا إلى السّنّة، والدلالة العقلية، فقال مُعَلِّلًا اختياره: «لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون بيعَ خيار»، وربما قال: «أو يقول أحدهما للآخر: اختر». فإذ كان ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيحًا فليس يخلو قولُ أحد المتبايعين لصاحبه: اختر. مِن أن يكون قبل عقد البيع، أو معه، أو بعده. فإن يكن قبله فذلك الخَلْف من الكلام الذي لا معنى له؛ لأنه لم يملك قبل عقد البيع أحدُ المتبايعين على صاحبه ما لم يكن له مالكًا فيكون لتخييره صاحبه فيما مَلك عليه وجه مفهوم، ولا فيهما من يجهلُ أنه بالخيار في تمليك صاحبه ما هو لهُ غير مالك بعِوَض يعتاضُه منه، فيقال له: أنت بالخيار فيما تريدُ أن تحدثه من بيع أو شراء. أو يكون -إذْ بطل هذا المعنى- تخيير كلِّ واحد منهما صاحبه مع عقد البيع. ومعنى التخيير في تلك الحال نظيرُ معنى التخيير قبلها؛ لأنها حالة لم يَزُل فيها عن أحدهما ما كان مالكه قبل ذلك إلى صاحبه فيكون للتخيير وجه مفهوم، أو يكون ذلك بعد عقد البيع إذْ فَسد هذان المعنيان. وإذْ كان ذلك كذلك صحَّ أنّ المعنى الآخر من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -أعني قوله: «ما لم يتفرقا» - إنما هو التفرّق بعد عقد البيع كما كان التخيير بعده. وإذْ صحّ ذلك فسد قولُ مَن زعم أنّ معنى ذلك إنما هو التفرق بالقول الذي به يكون البيع. وإذ فسد ذلك صحَّ ما قلنا مِن أنّ التخيير والافتراق إنما هما معنيان بهما يكون تمام البيع بعد عقده».