للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٧٨١٨ - عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألحقوا المال بالفرائض، فما أبقت الفرائضُ فأول رَحِمٍ ذَكَرٍ» (١). (ز)

١٧٨١٩ - عن الزهري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حِلْفَ في الإسلام، وتَمَسَّكُوا بحِلْفِ الجاهلية» (٢) [١٦٥٣]. (٤/ ٣٨٢)


[١٦٥٣] أفادت الآثار الاختلاف في نزول هذه الآية، ونسخها، والمراد بالمعاقدة وبالنصيب المذكورين فيها، على خمسة أقوال: أولها: أنّ حلفهم في الجاهلية كانوا يتوارثون به في الإسلام، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في الأنفال: {وأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ}. وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، وقتادة. وثانيها: أنها نزلت في الذين آخى بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار، فكان بعضهم يرث بعضًا بتلك المؤاخاة بهذه الآية، ثم نسخها ما تقدم من قوله تعالى: {ولِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانَ والأَقْرَبُونَ}. وهذا قول ابن عباس من طريق سعيد بن جبير، وابن زيد. وثالثها: أنها نزلت في أهل العقد بالحلف، ولكنهم أُمِرُوا أن يؤتوا بعضهم بعضًا من النصرة والنصيحة والمشورة والوصية دون الميراث. وهذا قول مجاهد، وعطاء، والسدّي. ورابعها: أنّها نزلت في الذين كانوا يَتَبَنَّوْن أبناء غيرهم في الجاهلية، فَأُمِرُوا في الإسلام أن يُوصُوا لهم عند الموت بوصية. وهذا قول سعيد بن المسيب. وخامسها: أنّها نزلت في قومٍ جعل لهم نصيب من الوصية، ثم هلكوا، فذهب نصيبهم بهلاكهم، فَأُمِرُوا أن يدفعوا نصيبهم إلى ورثتهم. وهذا قولٌ للحسن البصري.
ورجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٦٨٢)، وابنُ عطية (٢/ ٥٣٩) أنّ الآية نزلت في أهل العقد بالحلف، وانتَقَدا الأقوالَ الأخرى استنادًا إلى مخالفتها ظاهر الآية، وأحوال النزول، فقال ابنُ عطية: «لفظة المعاقدة والأيمان ترجح أنّ المرادَ: الأحلاف؛ لأنّ ما ذكر من غير الأحلاف ليس في جميعه معاقدة ولا أيمان». وقال ابنُ جرير: «وذلك أنّه معلومٌ عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها أنّ عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق».
وذَهَبَ ابنُ كثير (٤/ ١٠) إلى ذلك أيضًا.
ورجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٦٨٢ - ٦٨٦ بتصرف) القولَ الثالثَ، وهو أنّ الآية محكمة، والمراد بالنصيب فيها: النصرة والنصيحة والوصية دون الميراث، مستندًا إلى السُّنَّة، وعدم الدليل على النسخ، فقال: «وذلك لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «لا حِلْف في الإسلام، وما كان من حِلْف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة». فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيحًا، وكانت الآية إذا اختُلِف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ؛ غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ -مع اختلاف المختلفين فيه، ولوجوب حكمها، ونفي النسخ عنه وجه صحيح- إلا بحجة يجب التسليم لها».
ورجَّحَ ابن كثير (٤/ ٢٠) القولَ الأولَ، وهو أنّ الآية منسوخة، والمراد بالنصيب فيها: الميراث.
واسْتَدْرَكَ على ابن جرير مستندًا إلى بعض آثار السلف، فقال: «هذا الذي قاله فيه نظر؛ فإنّ من الحِلْف ما كان على المناصرة والمعاونة، ومنه ما كان على الإرث، كما حكاه غير واحد من السلف، وكما قال ابن عباس: كان المهاجري يرِثُ الأنصاريَّ دون قراباته وذوي رحمه، حتى نسخ ذلك، فكيف يقول: إن هذه الآية محكمة غير منسوخة؟!».

<<  <  ج: ص:  >  >>