وقد رَجَّح ابنُ جرير (٧/ ١١٥ - ١١٦) القول الأول مستندًا إلى السياق، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي وقتادة وعطية العوفي، وعلَّل ذلك بقوله: «لأنّ الله -جل ثناؤُه- خاطب بهذه الآية اليهود الذين وصف صفتهم بقوله: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة}، ثُمَّ حذَّرهم -جلَّ ثناؤه- بقوله: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها} الآية بأسَه، وسطوته، وتعجيلَ عقابه لهم إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به، ولا شكَّ أنهم كانوا لَمّا أمرهم بالإيمان به يومئذ كفارًا». ثُمَّ انتَقَدَ (٧/ ١١٦) مستندًا إلى الدلالة العقلية قولَ مَن قال: إنّ معنى الآية: نُعميهم عن الحق فنردهم إلى الضلال والكفر. فقال: «وإذ كان ذلك كذلك فبَيِّنٌ فسادُ قولِ مَن قال: تأويلُ ذلك: أن نعميها عن الحق فنردها في الضلالة. فما وجه ردِّ مَن هو في الضلالة فيها؟! وإنما يُرَدُّ في الشيء مَن كان خارجًا منه، فأمّا مَن هو فيه فلا وجه لأن يُقال: يَرُدُّهُ فيه. وإذ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا أنّ الله قد تهدد الذين ذكرهم في هذه الآية بردِّه وجوههم على أدبارهم؛ كان بيِّنًا فسادُ تأويل مَن قال: معنى ذلك: يهددهم بردهم في ضلالتهم». وذكر ابنُ عطية (٢/ ٥٧٤) قولًا آخر: أنّ ذلك معناه: «أن تعفى أثر الحواس فيها، وتزال الخلقة منه، فيرجع كسائر الأعضاء في الخلو من أعضاء الحواس». وعَلَّق عليه بقوله: «فيكون الرد على الأدبار في هذا الموضع بالمعنى، أي: خُلُوِّه من الحواسِّ دبرًا لكونه عامرًا بها».