للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قالت: هو في خزانته في المَشْرُبة (١). فدخلتُ، فإذا أنا برباحٍ غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا على أسْكُفَّة المَشْرَُبة (٢)، مُدَلٍّ رجليه على نقير من خشب -وهو جِذْعٌ يرقى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينحدر-، فنادَيْتُ: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إلَيَّ، فلم يقل شيئًا، ثم قلتُ: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إلَيَّ، فلم يقل شيئًا، ثم رفعت صوتي، فقلتُ: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإني أظُنُّ أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظَنَّ أنِّي جئتُ من أجل حفصة، واللهِ، لَئِن أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقها لَأَضْرِبَنَّ عنقها. ورفعتُ صوتي، فأومأ إلَيَّ أنِ ارْقَهْ، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على حصير، فجلست، فأدنى عليه إزارَه، وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثَّر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قَرَظًا (٣) في ناحية الغرفة، وإذا أفِيقٌ (٤) مُعَلَّق، قال: فابتدَرَتْ عيناي، قال: «ما يُبكيك، يا ابن الخطاب؟». قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفوتُه وهذه خزانتك! فقال: «يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرةُ ولهم الدنيا؟». قلت: بلى. قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله، ما يَشُقُّ عليك مِن شأن النساء؟ فإن كُنت طلَّقْتَهُنَّ فإنّ الله معك، وملائكته، وجبريل، وميكائيل، وأنا، وأبو بكر، والمؤمنون معك. وقلَّما تكلمتُ -وأَحْمَدُ الله- بكلامٍ إلا رجوتُ أن يكون اللهُ يُصَدِّق قولي الذي أقول، ونزلت هذه الآية آية التخيير: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} [التحريم: ٥]، {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} [التحريم: ٤]، وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصةُ تظاهران على سائر نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، أطَلَّقْتَهُنَّ؟ قال: «لا». قلتُ: يا رسول الله، إنِّي دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى، يقولون: طلَّق


(١) المشربة -بفتح الراء وضمها-: الغرفة. النهاية (شرب).
(٢) أسكفة المشربة: عتبة بابها التي يوطأ عليها. اللسان (سكف).
(٣) القَرَظ: هو ورقَ السَّلَم. النهاية (قرظ).
(٤) الأفيق: هو الجلْد الذي لَم يتِمّ دباغه. وقيل هو ما دُبغ بغير القَرَظ. النهاية (أفق).

<<  <  ج: ص:  >  >>