للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٢٤٢ - قال مقاتل بن سليمان: ثم قال سبحانه: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} يعني: ونعمته، فعصمكم من قول المنافقين؛ {لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}. نزلت في أُناس كانوا يحدثون أنفسهم بالشرك (١). (ز)

١٩٢٤٣ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- قال: هذه الآية مقدمة ومؤخرة، إنما هي: أذاعوا به إلا قليلًا منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لم ينج قليل ولا كثير (٢). (٤/ ٥٥٢)

١٩٢٤٤ - قال يحيى بن سلام: قوله: {لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} فيه تقديم وتأخير، يقول: لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلًا، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا (٣) [١٧٨٣]. (ز)


[١٧٨٣] أفادت الآثار اختلاف السلف فيمن استثناه الله بقوله: {إلا قليلا} على أقوال: الأول: أنه راجع إلى المستنبطين، فتقديره: لَعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلًا. وهو قول قتادة من طريق معمر. الثاني: أنه راجع إلى الإذاعة، فتقديره: أذاعوا به إلا قليلًا. وهو قول ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة، وقول ابن زيد. الثالث: أنه راجع إلى اتِّباع الشيطان، فتقديره: لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا منكم. وهو قول الضحاك.
وقد رجّح ابنُ جرير (٧/ ٢٦٥ بتصرف) مستندًا إلى الدلالة العقلية، والأظهر من كلام العرب القول الثاني، ومنتقدًا بقية الأقوال، فقال: «وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي قول مَن قال: عنى باستثناء القليل: من الإذاعة، وقال: معنى الكلام: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به إلا قليلًا، ولو ردوه إلى الرسول. وإنما قلنا: إنّ ذلك أولى بالصواب لأنّه لا يخلو القول في ذلك من أحد الأقوال التي ذكرنا، وغير جائز أن يكون من قوله: {لاتبعتم الشيطان}؛ لأن مَن تفضل الله عليه بفضله ورحمته فغير جائز أن يكون من تباع الشيطان، وغير جائز أن نحمل معاني كتاب الله على غير الأغلب المفهوم بالظاهر من الخطاب في كلام العرب ولنا إلى حمل ذلك على الأغلب من كلام العرب سبيل، فنوجهه إلى المعنى الذي وجهه إليه القائلون: معنى ذلك: لاتبعتم الشيطان جميعًا، ثم زعم أن قوله: {إلا قليلا} دليل على الإحاطة بالجميع. هذا مع خروجه من تأويل أهل التأويل لا وجه له، وكذلك لا وجه لتوجيه ذلك إلى الاستثناء من قوله: {لعلمه الذين يستنبطونه منهم}؛ لأن علم ذلك إذا رُدَّ إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، فبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأولو الأمر منهم بعد وضوحه لهم، استوى في علم ذلك كل مستنبط حقيقة، فلا وجه لاستثناء بعض المستنبطين منهم وخصوص بعضهم بعلمه مع استواء جميعهم في علمه. وإذ كان لا قول في ذلك إلا ما قلنا، ودخل هذه الأقوال الثلاثة ما بينا من الخلل؛ فبَيِّنٌ أنّ الصحيح من القول في ذلك هو القول الذي قضينا له بالصواب من الاستثناء من الإذاعة».

<<  <  ج: ص:  >  >>