ورَجَّح ابنُ جرير (٧/ ٢٨٦) مستندًا إلى ظاهر القرآن القول الثاني، وعلَّل ذلك، فقال: «لأنّ اختلاف أهل التأويل في ذلك إنما هو على قولين: أحدهما: أنهم قوم كانوا من أهل مكة. والآخر: أنهم قوم كانوا من أهل المدينة. وفي قول الله -جلَّ ثناؤه-: {فَلا تَتَّخِذُوا مِنهُمْ أوْلِياءَ حَتّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أوضح الدليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة؛ لأن الهجرة كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر، فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيمًا من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرض هجرة؛ لأنه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه».وعلَّق ابنُ عطية (٢/ ٦٢٠) على قول ابن عباس، ومجاهد، فقال: «وهذان القولان يعضدهما ما في آخر الآية من قوله تعالى: {حَتّى يُهاجِرُوا}». ثم انتَقَد (٢/ ٦٢٠ - ٦٢١) القول بأنهم كانوا من أهل المدينة، فقال: «وكل مَن قال في هذه الآية: إنها في مَن كان بالمدينة. يردُّ عليه قوله: {حَتّى يُهاجِرُوا}». ثم التمس له توجيهًا، فقال: «لكنهم يخرجون المهاجرة إلى هجر ما نهى الله عنه، وترك الخلاف والنفاق، كما قال عليه الصلاة والسلام: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»».