ورَجَّح ابنُ القيم (١/ ٣٠٣) عمومَ الآية، وأنّه لو حصل السبيلُ للكافرين في الدنيا فإنّه بمعصية المؤمنين؛ فالمعنى عنده: ما داموا مؤمنين. فقال: «فالآية على عمومها وظاهرها، وإنّما المؤمنون تصدُر منهم مِن المعصية والمخالفة التي تُضادُّ الإيمانَ ما يصير به للكافرين عليهم سبيلٌ بحسب تلك المخالفة، فهم الذين تَسَبَّبوا إلى جعل السبيل عليهم، كما تسببوا إليه يومَ أحد بمعصية الرسول ومخالفته، واللهُ سبحانه لم يجعل للشيطان على العبد سلطانًا، حتى جعل له العبد سبيلًا إليه بطاعته والشرك به، فجعل الله حينئذ له عليه تسلُّطًا وقهرًا، فمَن وجد خيرًا فليحمد الله تعالى، ومَن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نفسَه. وبهذا يزول الإشكالُ الذي يُورِدُه كثيرٌ من الناس على قوله تعالى: {ولَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}، ويُجِيب عنه كثيرٌ منهم: بأنّه لن يجعل لهم عليهم سبيلًا في الآخرة. ويجيب آخرون: بأنّه لن يجعل لهم عليهم سبيلًا في الحُجَّة». وذكر ابنُ كثير (٤/ ٣١٦) احتمالًا بأن يكون التَّسَلُّطُ في الدنيا، فقال: «ويحتمل أن يكون المراد: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، أي: في الدنيا، بأن يُسَلَّطوا عليهم استيلاءَ اسْتِئْصالٍ بالكُلِّيَّة، وإن حصل لهم ظَفَرٌ في بعض الأحيان على بعض الناس، فإنّ العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: ٥١]. وعلى هذا فيكون رَدًّا على المنافقين فيما أمَّلوه وتَرَبَّصوه وانتظروه مِن زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه مِن مصانعتهم الكافرين خوفًا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم} إلى قوله: {نادمين} [المائدة: ٥٢]».