للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العرب على المعاني القرآنية، وذلك منهم إجماع عملي، وقد سبقهم "إجماع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على تفسير القرآن على شرائط اللغة" (١)، وقد أسند أبو عبيد القاسم بن سلام (ت: ٢٢٤ هـ) عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس: "أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر" (٢)، ثم قال: "يعني أنه كان يستشهد به على التفسير" (٣)، ويشهد لهذا المعنى قول يوسف بن مهران (٤)، وسعيد بن جبير (ت: ٩٥ هـ): "كنا نسمع ابن عباس كثيرًا ما يسأل عن القرآن، فيقول: هو كذا أو كذا، ما سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا؟ " (٥)، وقال أبو عبيد (ت: ٢٢٤ هـ) أيضًا: "في حديث أبي وائل في قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨]، قال: دلوكها: غروبها؛ وهو في كلام العرب: دلكت براح" (٦)، ثم قال: "وفي هذا الحديث حجة لمن ذهب بالقرآن إلى كلام العرب -إذا لم يكن فيه حلال ولا حرام (٧) ألا تراه يقول: وهو في كلام العرب دلكت براح" (٨).

ومن أمثلة استناد الأئمة الخمسة إلى اللغة ما ورد في قوله تعالى: {وَإِن كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النساء: ١٢]، حيث انتقد ابن عطية (ت: ٥٤١ هـ) قول عطاء أن "الكلالة": المال. مستندًا إلى اللغة بقوله: "الاشتقاق في معنى الكلالة يفسد تسمية المال بها" (٩). وفي قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: ١٤٦] انتقد ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) قول من قال أنهم: العلماء. من وجوه كثيرة، منها: أن استعمال لفظ الربي في هذا ليس معروفًا في اللغة، بل المعروف الجموع الكثيرة، وأن الربي منسوب إلى الرب بخلاف الرباني فهو منسوب إلى ربان السفينة (١٠).


(١) مقدمتان في علوم القرآن ص ٢٠١، وقد حكى الإجماع فيه صاحب كتاب "المباني لنظم المعاني".
(٢) فضائل القرآن ص ٢٠٥.
(٣) المرجع السابق.
(٤) يوسف بن مهران البصري، روى عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ذكره ابن سعد (ت: ٢٣٠ هـ) في الطبقة الثانية من التابعين، ووثقه وأبو زرعة (ت: ٢٦٤ هـ). ينظر: الطبقات الكبرى ٧/ ١١٥، والجرح والتعديل ٩/ ٢٢٩.
(٥) الطبقات الكبرى (الجزء المتمم لطبقات الصحابة) ١/ ١٦٢، والجامع لأخلاق الراوي ٢/ ٢٩٤.
(٦) غريب الحديث ٢/ ٣٨٨.
(٧) مراده بذلك ما نقله الشرع من المعاني، وصارت له حقيقة شرعية، أو ما كان موضوعه إثبات حكم شرعي؛ فإن اللغة لا مدخل لها في ذلك بعد شهادتها بصحة لفظه وتركيبه على سنن كلام العرب.
(٨) غريب الحديث ٢/ ٣٨٨.
(٩) المحرر الوجيز ٢/ ٤٨٦.
(١٠) تفسيره ٢/ ١٥٤ - ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>