[١٩٩٢] أفادت الآثار اختلاف أهل التأويل في صفة المسح الذي أمر الله به بقوله: {وامسحوا برءوسكم}، على ثلاثة أقوال: الأول: امسحوا بما بدا لكم أن تمسحوا به من رءوسكم بالماء إذا قمتم إلى الصلاة. وهذا قول ابن عمر، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسفيان، والشعبي، وغيرهم. والثاني: امسحوا بجميع رءوسكم، فإن لم يمسح بجميع رأسه بالماء لم تجزئه الصلاة بوضوئه ذلك. وهذا قول مالك. والثالث: لا يجزئ مسح الرأس بأقل من ثلاث أصابع. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. ورجَّحَ ابن جرير (٨/ ١٨٧ - ١٨٨ بتصرف) القولَ الأول مستندًا إلى اللغة، وظاهر الآية، فقال: «الصواب من القول في ذلك عندنا: أنّ الله -جل ثناؤه- أمر بالمسح برأسه القائمَ إلى صلاته، مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه، ولم يَحُدَّ ذلك بحدٍّ لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه. وإذ كان ذلك كذلك فما مسح به المتوضِّئُ من رأسه فاستحق بمسحه ذلك أن يقال: مسح برأسه، فقد أدّى ما فرض الله عليه من مسح ذلك؛ لدخوله فيما لزمه اسم ما مسح برأسه إذا قام إلى صلاته. وما كان من ذلك مُجْمَعًا على أنه غير مُجْزِئه، فمسلَّم لِما جاءت به الحُجَّة نقلًا عن نبيها - صلى الله عليه وسلم -، ولا حجة لأحد علينا في ذلك؛ إذ كان من قولنا: إنّ ما جاء في آي الكتاب عامًّا في معنًى، فالواجب الحكم به على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له، فإذا خُصَّ منه شيء كان ما خُصَّ منه خارجًا من ظاهره، وحكْمُ سائره على العموم».