للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مناظرته" (١)، وقال الشاطبي (ت: ٧٩٠ هـ): "كلام العرب على الإطلاق لا بد فيه من اعتبار معنى المساق" (٢)، وقال: "فلا محيص للمتفهم عن ردِّ آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فرق النظر في أجزاءه، فلا يتوصل به إلى مراده، فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض" (٣).

ومن شواهد الاعتماد على السياق في التفسير النبوي قول أم مبشر -رضي اللَّه عنها-: "سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول عند حفصة: "لا يدخل النار -إن شاء اللَّه- من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها"، فقالت حفصة: بلى يا رسول اللَّه. فانتهرها، فقالت: ألم يقل اللَّه: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١]؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وقد قال: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: ٧٢] " (٤).

ومن أمثلته عند الأئمة الخمسة في قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: ١٢١]، حيث رجح ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ)، وابن عطية (ت: ٥٤١ هـ)، وابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ)، قول من قال: هو يوم أُحد. لدلالة السياق، فقال ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ): "لأن اللَّه عزَّ وجلَّ يقول في الآية التى بعدها: {إِذ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفشَلَا} [آل عمران: ١٢٢]، ولا خلاف بين أهل التأويل أنه عنى بالطائفتين بني سلمة وبني حارثة، ولا خلاف بين أهل السير والمعرفة بمغازي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الذي ذكر اللَّه من أمرهما إنما كان يوم أُحد دون يوم الأحزاب" (٥). كما رجح ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) أن المقصود بـ "الخبيث" في قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: ١٧٩]: المنافق. والمعنى: حتى يميز المنافقين من المؤمنين بالمحن والاختبار، كما ميَّز بينهم يوم أُحد عند لقاء العدو؛ معللًا ذلك بأن: "الآيات قبلها في ذكر المنافقين، وهذه في سياقتها، فكونها بأن تكون فيهم أشبه منها بأن تكون في غيرهم" (٦).


(١) بدائع الفوائد ٤/ ٩. وينظر: الإمام في بيان أدلة الأحكام، للعز بن عبد السلام عن ١٥٩، والبرهان في علوم القرآن ٢/ ٢١٨، ٣/ ٣٠٤، والبحر المحيط في الأصول ٢/ ٣٦٧.
(٢) الموافقات ٣/ ٤١٩.
(٣) المرجع السابق ٤/ ٢٦٦.
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه ٦/ ٤٧ (٢٤٩٦).
(٥) ينظر: جامع البيان ٦/ ٧، والمحرر الوجيز ٢/ ٣٣٨، وتفسير القرآن العظيم ٣/ ١٦٩.
(٦) جامع البيان ٦/ ٢٦٢ - ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>