للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أشار قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥] إلى أن الرسل جاءت باعتبار هذا النوع من الدلالات الموصلة إلى الحق، وأرشدت إليه، قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ): "إن الرسل دلت الناس وأرشدتهم إلى ما به يعرفون العدل، ويعرفون الأقيسة العقلية الصحيحة، التي يستدل بها على المطالب الدينية، فليست العلوم النبوية مقصورةً على مجرد الخبر، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام، ويجعلون ما يعلم بالعقل قسيمًا للعلوم النبوية، بل الرسل -صلوات اللَّه عليهم- بيَّنت العلوم العقلية التي بها يتم دين الناس علمًا وعملًا. .، والقرآن والحديث مملوء من هذا؛ يبين اللَّه الحقائق بالمقاييس العقلية، والأمثال المضروبة، ويبين طرق التسوية بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين، وينكر على من يخرج عن ذلك" (١).

ومن ثم فالدليل العقلي دليل شرعي صحيح مأذون فيه، وليس بخارج عن الشرع، ولا يقابل الدليل الشرعي، وإنما الذي يقابله الدليل غير الشرعي، أو الدليل البدعي. ولذلك لا يصح شرعًا ولا عقلًا ولا واقعًا أن يشهد العقل بما يبطل الشرع أو يخالفه، قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ): "وإذا تبين أن الكتاب والميزان منزلان فلا يجوز أن يتناقض الكتاب والميزان؛ فلا تتناقض دلالة النصوص الصحيحة، والأقيسة الصحيحة، ولا دلالة النص الصحيح، والقياس الصحيح، وإنما يكون التناقض بين الحق الصحيح، والباطل الذي ليس بصحيح، فأما الصحيح الذي كله حق فلا يتناقض؛ بل يصدق بعضه بعضًا" (٢)، وقال أيضًا: "ولا يجوز قط أن الأدلة الصحيحة النقلية تخالف الأدلة الصحيحة العقلية" (٣).

وفي تفسير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يشير إلى الاستدلال بهذا النوع من الدلالات: فعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "لما نزلت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: ٣٤] كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: أنا أفرج عنكم. فانطلق، فقال: يا نبي اللَّه إنه كبر على أصحابك هذه الآية. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها أموالكم، وإنما فرض


(١) الرد على المنطقيين ١/ ٣٨٢. وينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٠٦.
(٢) جامع المسائل، لابن تيمية، المجموعة الثانية، تحقيق: محمد عزير شمس ص ٢٧٢.
(٣) الرد على المنطقيين ١/ ٣٧٣. وينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>