ورجَّح ابنُ جرير (٨/ ٣٣٢) القول الأول دون الثاني الذي قاله مجاهد من طريق شبل عن ابن أبي نجيح مستندًا إلى الإجماع، والدلالات العقلية، فقال: «وإنما قلنا ذلك هو الصواب لإجماع أهل التأويل عليه؛ لأن الله -عز ذكره- قد أخبرنا أنّ كل عامل فجزاء عمله له أو عليه، وإذا كان ذلك حكمه في خلقه فغيرُ جائز أن يكون آثام المقتول مأخوذًا بها القاتل، وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم، وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتيله». ثم أورد سؤالًا حاصله: كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثم قتله وإثم نفسه، مع أن قتله له محرم؟ وأجاب بأنّ هابيل أخبر عن نفسه بأنّه لا يقاتل أخاه إن قاتله، بل يكف يده عنه، طالبًا -إن وقع قتل- أن يكون من أخيه لا منه. ووجَّهه (٨/ ٣٣٢) بقوله: «وكأن قائلي هذه المقالة وجَّهوا تأويل قوله: {إني أريد أن تبوء بإثمي ... } أي: إني أريد أن تبوء بإثم قتلي، فحذف القتل، واكتفي بذكر الإثم، إذ كان مفهومًا معناه عند المخاطبين به».وذكر ابن عطية (٣/ ١٤٦) قولين آخرين: الأول: أن المعنى: أن تبوء بإثمي إن لو قاتلتك وقتلتك وإثم نفسك في قتالي وقتلي. وعلَّق عليه بقوله: «وهذا هو الإثم الذي يقتضيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه»، فكأن هابيل أراد: أني لست بحريص على قتلك، فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي». الثاني: أن المعنى: تبوء بإثمي الذي يختص لي فيما فرط لي، أي: يُؤخذ من سيئاتي فيُطرح عليك بسبب ظلمك لي، وتبوء بإثمك في قتلي، وعلَّق عليه بقوله: "وهذا تأويل يعضده قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يؤتى بالظالم والمظلوم يوم القيامة، فيُؤخذ من حسنات الظالم فيُزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف، فإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات المظلوم فتُطرح عليه».