للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحفيرة، ثم سَوّى الحفيرة بالأرض، وقابيل ينظر، {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْءَةَ أخِيهِ قالَ} قابيل: {يا ويْلَتا أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذا الغُرابِ} يقول: أعجزت أن أعْلَمَ مِن العلم مثل ما عَلِم هذا الغراب، {فَأُوارِيَ سَوْءَةَ أخِي} يقول: فأُغَطِّي عورة أخي كما وارى هذا الغراب صاحبه، {فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ} بقتله أخاه، فعمد عند ذلك قابيل فحفر في الأرض بيده، ثم قذف أخاه في الحفيرة، فسوّى عليه تراب الحفيرة كما فعل الغراب بصاحبه، فلما دفنه ألقى الله - عز وجل - عليه الخوف، يعني: على قابيل، لأنّه أول مَن أخاف، فانطلق هاربًا، فنودي مِن السماء: يا قابيل، أين أخوك هابيل؟ قال: أوَرقيبًا كنتُ عليه؟! ليذهب حيث شاء، قال المنادي: أما تدري أين هو؟ قال: لا. قال المنادي: إنّ لسانك وقلبك ويديك ورجليك وجميع جسدك يشهدون عليك أنّك قتلته ظُلمًا. فلمّا أنكر شَهِدَت عليه جوارحُه، فقال المنادي: أين تنجو مِن ربك؟ إنّ إلهي يقول: إنّك ملعون بكل أرض، وخائف ممن يستقبلك، ولا خير فيك، ولا في ذريتك. فانطَلَق جائعًا حتى أتى ساحل البحر، فجعل يأخذ الطيرَ، فيضرب بها الجبل، فيقتلها، ويأكلها، فمِن أجل ذلك حرَّم الله الموقوذة، وكانت الدواب والطير والسباع لا يخاف بعضها من بعض حتى قتل قابيلُ هابيلَ، فلحقت الطير بالسماء، والوحش بالبرية والجبال، ولحقت السباع بالغياض، وكانت قبل ذلك تستأنس إلى آدم - عليه السلام - وتأتيه، وغضبت الأرض على الكفار من يومئذ، فمِن ثم يضغط الكافر في الأرض حتى تختلف أضلاعُه، ويَتَّسع على المؤمن قبره حتى ما يرى طرفاه. وتزوَّج شِيتُ (١) بنُ آدم ليوذا التي وُلِدت مع هابيل، وبعث الله - عز وجل - ملَكًا إلى قابيل، فعلَّق رجله، وجعل عليه ثلاث سُرادِقات من نار، كلما دار دارت السُّرادِقات معه، فمكث بذلك حينًا، ثم حلَّ عنه (٢). (ز)

٢٢٢٣٧ - عن محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول قال: لَمّا قتله سُقِط في يديه، ولم يدر كيف يواريه، وذلك أنه كان -فيما يزعمون- أول قتيل من بني آدم، وأول ميت، قال: {فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي} الآيةَ. قال: ويزعم أهل التوراة: أنّ قابيل حين قتل أخاه هابيل قال له -جلَّ


(١) كذا جاء في مطبوعة المصدر؛ بالتاء، وهو قول في ضبط شيث. والمشهور بالثاء. ينظر: التاج (شيت، شوث).
(٢) تفسير مقاتل بن سليمان ١/ ٤٧٠ - ٤٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>