للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سمع رجلًا يقرأ هذه الآية: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر: ٥٣] الآية، فوقف عليه، فقال: يا عبد الله، أعِد قراءتها، فأعادها عليه. فغمد سيفه، ثم جاء تائبًا، حتى قدم المدينة من السَّحَر، فاغتسل، ثم أتى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلى الصبح، ثم قعد إلى أبي هريرة في غمار أصحابه، فلما أسفر عرفه الناس، وقاموا إليه، فقال: لا سبيل لكم عَلَيَّ، جئتُ تائبًا من قبل أن تقدروا علي. فقال أبو هريرة: صدق. وأخذ بيده أبو هريرة حتى أتى مروان بن الحكم في إمرته على المدينة في زمن معاوية، فقال: هذا عليٌّ جاء تائبًا، ولا سبيل لكم عليه، ولا قتل. قال: فترك من ذلك كله. قال: وخرج عليٌّ تائبًا مجاهدًا في سبيل الله في البحر، فلقوا الروم، فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم، فاقتحم على الروم في سفينتهم، فهزموا منه إلى سفينتهم الأخرى، فمالت بهم وبه، فغرقوا جميعًا (١) [٢٠٧١]. (ز)


[٢٠٧١] على هذا القول فتوبة المحارب قبل القدرة عليه تضع عنه تبعات الدنيا التي لزمته في أيام حربه وحرابته، إلا ما كان قائمًا في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه.
ورجَّح ابنُ جرير (٨/ ٤٠١) هذا القول الذي قاله مالك، والزهري، والقرظي، وسعيد بن جبير، وعطاء من طريق بن معقل مستندًا إلى الدلالة العقلية، فقال: «لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة لله ولرسوله الساعية في الأرض فسادًا على وجه الردة عن الإسلام، فكذلك حكم كل ممتنع سعى في الأرض فسادًا، جماعة كانوا أو واحدًا، فأما المستخفي بسرقته، والمتلصص على وجه إغفال من سرقه، والشاهر السلاح في خلاء على بعض السابلة، وهو عند الطلب غير قادر على الامتناع؛ فإنّ حكم الله عليه -تاب أو لم يتب- ماضٍ، وبحقوق من أخذ ماله أو أصاب وليه بدم أو خَتَل مأخوذ، وتوبته فيما بينه وبين الله، قياسًا على إجماع الجميع على أنه لو أصاب شيئًا من ذلك وهو للمسلمين سِلْم ثم صار لهم حربًا أنّ حربه إياهم لن يضع عنه حقًّا لله -عزَّ ذكره- ولا لآدمي، فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك في خلاء أو باستخفاء وهو غير ممتنع من السلطان بنفسه إن أراده، ولا له فئة يلجأ إليها مانعة منه».
وكذا رجَّحه ابنُ عطية (٣/ ١٥٨ - ١٥٩).
وكذا رجَّحه ابنُ كثير (٥/ ١٩٨) مستندًا إلى ظاهر الآية، وعمل الصحابة، فقال: «وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع، وعليه عمل الصحابة».

<<  <  ج: ص:  >  >>