ثم ذَهَبَفي هذا إلى أنّ السماعين للكذب هم السماعون لقوم آخرين. مستندًا في ذلك إلى قول ابن زيد، فقال: «وأَوْلى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قولُ مَن قال: إنّ السماعين للكذب هم السماعون لقوم آخرين. وقد يجوز أن يكون أولئك كانوا من يهود المدينة والمسموع لهم من يهود فدك، ويجوز أن يكونوا كانوا من غيرهم. غير أنه أيّ ذلك كان فهو من صفة قومٍ من يهود سمعوا الكذب على الله في حكم المرأة التي كانت بَغَتْ فيهم وهي محصنة، وأنّ حكمها في التوراة التحميم والجلد، وسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحكم اللازم لها، وسمعوا ما يقول فيها قوم المرأة الفاجرة قبل أن يأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محتكمين إليه فيها، وإنما سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك لهم ليعلموا أهل المرأة الفاجرة ما يكون من جوابه لهم، فإن لم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكما فيهم، وإن كان من حكمه الرجم حذروه وتركوا الرضا به وبحكمه». وذكر ابنُ عطية (٣/ ١٦٨ - ١٦٩) أنّ المعنى في قوله: {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ} يحتمل أن يكون صفة للمنافقين ولبني إسرائيل؛ لأن جميعهم يسمع الكذب بعضهم من بعض ويقبلونه، ولذلك جاءت عبارة سماعهم في صيغة المبالغة، إذ المراد أنهم يقبلون ويستزيدون من ذلك المسموع. وبيَّن أن قوله تعالى: {لِلْكَذِبِ} يحتمل احتمالين: الأول: أن يريد: سماعون للكذب. الثاني: أن يريد: سماعون منك أقوالك من أجل أن يكونوا عليك وينقلوا حديثك ويزيدوا مع الكلمة أضعافها كذبًا. وأن قوله تعالى: {سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} يحتمل احتمالين: الأول: أن يريد: يسمعون منهم. الثاني: أن يكون بمعنى: {سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ} بمعنى جواسيس مسترقين لكلام لينقلوه لقوم آخرين. ثم علَّق بقوله: «وهذا مما يمكن أن يتصف به المنافقون ويهود المدينة. وقيل لسفيان بن عيينة: هل جرى للجاسوس ذكر في كتاب الله - عز وجل -، فقال: نعم، وتلا هذه الآية: {سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ}».