للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}، قال: كفرٌ دون كفر، وظلمٌ دون ظلم، وفسقٌ دون فسق (١). (٥/ ٣٢٤)

٢٢٦٤٥ - عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- {ومَن لَمْ يَحْكُمْ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ}: ذُكر لنا: أنّ هؤلاء الآيات أنزلت في قتيل اليهود الذي كان منهم (٢). (ز)

٢٢٦٤٦ - عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- {ومن لم يحكم بما أنزل الله}، يقول: ومن لم يحكم بما أنزلتُ، فتركه عمدًا، وجارَ وهو يعلم، فهو من الكافرين (٣). (ز)

٢٢٦٤٧ - قال مقاتل بن سليمان: {ومَن لَمْ يَحْكُمْ بِما أنْزَلَ اللَّهُ} في التوراة بالرجم، ونعت محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويشهد به؛ {فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ} (٤). (ز)

٢٢٦٤٨ - عن مقاتل بن حيّان -من طريق بكير- قوله: {فأولئك هم الكافرون}، فقال: أهل قريظة، منهم أبو لبابة بن سعفة بن عمر، ومن أهل النضير، منهم كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف (٥). (ز)

٢٢٦٤٩ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، قال: مَن حكم بكتابه الذي كتب بيده، وترك كتاب الله، وزعم أنّ كتابه هذا من عند الله؛ فقد كفر (٦) [٢٠٩٥]. (٥/ ٣٢٦)


[٢٠٩٥] اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، {فأولئك هم الظالمون}، {فأولئك هم الفاسقون}، وقد جمع ابنُ جرير (٨/ ٤٦٨) أقوالهم في خمسة أقوال على النحو الآتي: الأول: عنى به اليهود الذين حَرَّفوا كتاب الله وبدَّلوا حكمه. الثاني: عنى بالكافرين: أهل الإسلام، وبالظالمين: اليهود، وبالفاسقين: النصارى. الثالث: عنى بذلك: كفرٌ دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسقٌ دون فسق. الرابع: نزلت هذه الآيات في أهل الكتاب، وهى مرادٌ بها جميعُ الناس، مسلموهم وكفارهم. الخامس: معنى ذلك: ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به. فأما الظلم والفسق فهو للمُقرِّ به.
ثم رجَّحَ أنها نزلت في كُفّار أهل الكتاب مستندًا إلى السياق، فقال: «وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قولُ من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب؛ لأنّ ما قبلها وما بعدها من الآيات فيهم نزلت، وهم المعنيُّون بها، وهذه الآيات سياقُ الخبر عنهم، فكونُها خبرًا عنهم أولى. فإن قال قائل: فإنّ الله -تعالى ذِكْرُه- قد عمَّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلتَه خاصًّا؟ قيل: إنّ الله تعالى عَمَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكمَ على سبيل ما تركوه كافرون. وكذلك القولُ في كلِّ مَن لم يحكم بما أنزل اللهُ جاحدًا به، هو بالله كافرٌ، كما قال ابن عباس؛ لأنه بجحوده حُكمَ الله بعدَ علمه أنه أنزله في كتابه نظيرُ جحودِه نبوّةَ نبيّه بعد علمه أنه نبيٌّ».
لكنَّ ابن القيم (١/ ٣٢٢) رأى أنّ قولَ مَن تأوَّلَها على أهل الكتاب -وهو قول قتادة، والضحاك، وغيرهما- مخالفٌ لظاهر اللفظ، فانتَقَدَه بقوله: «هو بعيدٌ، وهو خلاف ظاهر اللفظ، فلا يصار إليه».
ثم بيَّنَ (١/ ٣٢٢) -ولم يذكر مستندًا- أنّ الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فقال: «والصحيح: أنّ الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوبَ الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصيانًا، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا كفر أصغر. وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخيَّر فيه، مع تيقنه أنه حكمُ الله تعالى؛ فهذا كفر أكبر. وإن جهله وأخطأه؛ فهذا مخطِئٌ له حكمُ المخطئين».
ورجَّحَ ابنُ عطية (٣/ ١٨٢) العموم، فقال: «أصوب ما يقال فيها أنها تعم كل مؤمن وكل كافر، فيجيء كل ذلك في الكافر على أتم وجوهه، وفي المؤمن على معنى كفر المعصية وظلمها وفسقها».

<<  <  ج: ص:  >  >>