ثم رجَّحَ أنها نزلت في كُفّار أهل الكتاب مستندًا إلى السياق، فقال: «وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قولُ من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب؛ لأنّ ما قبلها وما بعدها من الآيات فيهم نزلت، وهم المعنيُّون بها، وهذه الآيات سياقُ الخبر عنهم، فكونُها خبرًا عنهم أولى. فإن قال قائل: فإنّ الله -تعالى ذِكْرُه- قد عمَّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلتَه خاصًّا؟ قيل: إنّ الله تعالى عَمَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكمَ على سبيل ما تركوه كافرون. وكذلك القولُ في كلِّ مَن لم يحكم بما أنزل اللهُ جاحدًا به، هو بالله كافرٌ، كما قال ابن عباس؛ لأنه بجحوده حُكمَ الله بعدَ علمه أنه أنزله في كتابه نظيرُ جحودِه نبوّةَ نبيّه بعد علمه أنه نبيٌّ». لكنَّ ابن القيم (١/ ٣٢٢) رأى أنّ قولَ مَن تأوَّلَها على أهل الكتاب -وهو قول قتادة، والضحاك، وغيرهما- مخالفٌ لظاهر اللفظ، فانتَقَدَه بقوله: «هو بعيدٌ، وهو خلاف ظاهر اللفظ، فلا يصار إليه». ثم بيَّنَ (١/ ٣٢٢) -ولم يذكر مستندًا- أنّ الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فقال: «والصحيح: أنّ الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوبَ الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصيانًا، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا كفر أصغر. وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخيَّر فيه، مع تيقنه أنه حكمُ الله تعالى؛ فهذا كفر أكبر. وإن جهله وأخطأه؛ فهذا مخطِئٌ له حكمُ المخطئين». ورجَّحَ ابنُ عطية (٣/ ١٨٢) العموم، فقال: «أصوب ما يقال فيها أنها تعم كل مؤمن وكل كافر، فيجيء كل ذلك في الكافر على أتم وجوهه، وفي المؤمن على معنى كفر المعصية وظلمها وفسقها».