ثم انتَقَدَ ابنُ جرير (٨/ ٤٩١) هذا التأويل مستندًا إلى السياق، فقال: «وهذا التأويل بعيدٌ من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأ؛ وذلك أنّ المهيمن عطفٌ على المصدق، فلا يكون إلا من صفة ما كان المصدِّق صفةً له. ولو كان معنى الكلام ما روي عن مجاهد لقيل: وأنزلنا إليك الكتاب مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب مهيمنًا عليه. لأنه لم يتقدم من صفة الكاف التي في {إليك} بعدَها شيءٌ يكون {مهيمنًا عليه} عطفًا عليه، وإنما عطف به على المصدق؛ لأنه من صفة {الكتاب} الذي من صفته المصدق. فإن ظن ظانٌّ أنّ المصدق -على قول مجاهد وتأويلهِ هذا- من صفة الكاف التي في {إليك}، فإنّ قوله: {لما بين يديه من الكتاب} يُبطِل أن يكون تأويل ذلك كذلك، وأن يكون المصدق من صفة الكاف التي في {إليك}؛ لأن الهاء في قوله: {بين يديه} كناية اسم غير المخاطب، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {إليك}، ولو كان المصدق من صفة الكاف لكان الكلام: وأنزلنا إليك الكتاب مصدِّقًا لما بين يديك من الكتاب، ومهيمنًا عليه. فيكون معنى الكلام حينئذٍ يكون كذلك». وعلَّقَ ابنُ كثير (٥/ ٢٤٦) على تأويل مجاهد بقوله: «صحيح في المعنى، ولكن في تفسير هذا بهذا نظر، وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضًا نظر». ثم ذكر انتقاد ابن جرير له. وعلَّقَ ابنُ عطية (٣/ ١٨٣) على انتقاد ابن جرير لقول مجاهد، بقوله: «غلَّظ الطبري? في هذه اللفظة على مجاهد؛ فإنه فسر تأويله على قراءة الناس: {ومُهَيمِنًا} بكسر الميم الثانية، فبعد التأويل، ومجاهد? إنما يقرأ هو وابن محيصن (ومُهَيْمَنًا عَلَيْهِ) بفتح الميم الثانية، فهو بناء اسم المفعول، وهو حال مِن {الكتاب} معطوفة على قوله: {مصدقًا}، وعلى هذا يتجه أنّ المؤتمن عليه هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، و {عليه} في موضع رفع على تقدير أنّها مفعول لم يسم فاعله، هذا على قراءة مجاهد».