للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى نقمة الله، فذلك الذي جعل الله عليه النقمة (١) [٢١٧٦]. (ز)


[٢١٧٦] أفادت الآثارُ اختلاف المفسرين في معنى قوله تعالى: {عَفا اللَّهُ عَمّا سَلَفَ}، وفي معنى: {ومَن عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنهُ}، على أقوال: الأول: {عفا الله عما سلف} أي: عمّا كان في الجاهلية، {ومن عاد} منكم في الإسلام لِقَتْل الصيد وهو محرمٌ {فينتقم الله منه}، وعليه الكفارة. الثاني: كسابقه، إلا أنّهم جعلوا انتقام الله منه بإلزامه الكفارة. الثالث: {عفا الله عما سلف} مِن قَتْلِ الصيد في أول مرة، ومن عاد ثانيةً بعد أُولى حرامًا؛ فاللهُ ولِيُّ الانتقام منه، دون كفارةٍ تَلْزَمُه لِقَتْلِه إيّاه. الرابع: عفا الله عما سلف من قَتْلِكم الصيد قبل تحريم الله تعالى ذلك عليكم، ومن عاد لِقَتْلِه بعد تحريم الله إيّاه فإنّ الله هو المنتقم منه، ولا كفارة لذنبه ذلك، ولا جزاء يَلْزَمه له في الدنيا. الخامس: عُنِيَ بذلك شخصٌ بعينه.
وعلَّق ابنُ عطية (٣/ ٢٦١) على قول سعيد بن جبير -وهو القول الثالث- بقوله: «وهذا القول منه - رضي الله عنهما - وعْظٌ بالآية، وهو مع ذلك يرى أن يُحْكَم عليه في العودة، ويُكَفِّر، لكنَّه خشي مع ذلك بقاء النعمة».
ورجَّح ابنُ جرير (٨/ ٧٢٠) مستندًا إلى ظاهر الآية القولَ الأول، فقال: «وأَوْلى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا: قَوْلُ مَن قال: معناه: ومَن عاد في الإسلام لِقَتْلِه بعد نهي الله -تعالى ذكره- عنه فينتقم الله منه، وعليه مع ذلك الكفارة؛ لأنّ الله - عز وجل - إذ أخبر أنه ينتقم منه لم يُخْبِرْنا أنّه قد أزال عنه الكفارة في المرة الثانية والثالثة، بل أعلم عباده ما أوجب من الحُكْم على قاتل الصيد من المُحْرِمين عمدًا، ثم أخبر أنّه منتقمٌ مِمَّن عاد، ولم يقل: ولا كفّارة عليه في الدنيا».
وانتَقَدَ (٨/ ٧٢١) مستندًا إلى دلالة العقل ما ذهب إليه أصحابُ القول الثالث بقوله: «وأمّا مَن زعم أنّ معنى ذلك: ومَن عاد في قَتْلِه مُتَعَمِّدًا بعد بَدْءٍ لِقَتْلٍ تقدَّم منه في حال إحرامه، فينتقم الله منه؛ كان معنى قوله: {عَفا اللَّهُ عَمّا سَلَفَ} إنما هو: عفا الله عما سلف من ذنبه بِقَتْلِه الصيد بدءًا، فإن في قول الله -تعالى ذِكْرُه-: {لِيَذُوقَ وبالَ أمْرِهِ} دليلًا واضحًا على أنّ القولَ في ذلك غير ما قال؛ لأن العفو عن الجُرْم ترك المؤاخذة به، ومَن أُذِيق وبال جُرْمِه فقد عُوقِب به، وغير جائزٍ أن يُقال لمن عوقب: قد عُفِي عنه، وخبرُ الله أصدقُ مِن أن يقع فيه تناقض».
وزاد ابنُ جرير (٨/ ٧٢١) قولًا ولم ينسبه، فقال: «وقد زعم بعض الزاعمين أنّ معنى ذلك: ومَن عاد في الإسلام بعد نهيِ الله - عز وجل - عن قتله لِقَتْلِه بالمعنى الذي كان القوم يقتلونه في جاهليتهم؛ فعفا لهم عنه عند تحريم قتله عليهم، وذلك قتله على استحلال قتله. قال: فأمّا إذا قتله على غير ذلك الوجه، وذلك أن يقتُلَه على وجه الفسوق لا على وجه الاستحلال؛ فعليه الجزاء والكفارة كلما عاد». ثم انتقده مستندًا إلى أقوال السلف، والعموم قائلًا: «وهذا قولٌ لا نعلم قائلًا قاله مِن أهل التأويل، وكفى خطأً بقوله خروجُه عن أقوال أهل العلم لو لم يكن على خطئِه دلالةٌ سواه، فكيف وظاهر التنزيل يُنْبِئُ عن فساده؟! وذلك أنّ الله - عز وجل - عمَّ بقوله: {ومَن عادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنهُ} كُلَّ عائِدٍ لقتل الصيد بالمعنى الذي تقدم النهي منه به في أول الآية، ولم يَخُصَّ به عائدًا منهم دون عائدٍ، فمَن ادَّعى في التنزيل ما ليس في ظاهره كُلِّف البرهان على دعواه من الوجه الذي يجب التسليم له».

<<  <  ج: ص:  >  >>