ورجَّح ابنُ جرير (٨/ ٧٣٤ - ٧٣٥) مستندًا إلى السياق، ودلالة العقل القولَ الأولَ، فقال: «وأَوْلى هذه الأقوال بالصواب عندنا قولُ مَن قال: طعامه: ما قَذَفَه البحرُ، أو حَسَرَ عنه فوُجِدَ ميِّتًا على ساحله. وذلك أنّ الله -تعالى ذِكْرُه- ذَكَر قَبْله صيدَ البحر الذي يُصاد، فقال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ}، فالذي يجب أن يُعْطَف عليه في المفهوم ما لم يُصَد منه، فقال: أُحِلَّ لكم صيد ما صدتموه من البحر، وما لم تصيدوه منه. وأمّا المليح فإنّه ما كان منه مُلِّح بعد الاصطياد، فقد دخل في جملة قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ}، فلا وجه لتكريره، إذ لا فائدة فيه وقد أعْلَم عبادَه -تعالى ذِكْره- إحلالَه ما صِيد من البحر بقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ}، والله يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يُفيدُهم به فائدةً». ثم قال: «وقد رُوِي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو الذي قلنا خبرٌ، وإن كان بعضُ نَقَلَتِه يقف به على ناقله عنه من الصحابة، وذلك ما حدثنا به هنّاد بن السَّريِّ، قال: ثنا عَبْدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وطَعامُهُ مَتاعًا لَكُمْ}، قال: «طعامه: ما لَفَظه ميِّتًا فهو طعامُه»». ثم ذكره موقوفًا على أبي هريرة - رضي الله عنهما -. وذكر ابنُ عطية (٣/ ٢٦٣) قولَ أبي بكر الصديق، «وعمر بن الخطاب، وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم: هو ما قَذَفَ به، وما طفا عليه؛ لأن ذلك طعامٌ لا صيد». وذكر غيرها من الأقوال، ثم رجَّح قائلًا: «وقول أبي بكر وعمر هو أرجح الأقوال».