للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٤٢٣٢ - عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- قال: يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، يحلفان بالله: لا نشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله، إنا إذن لمن الآثمين، إن صاحبكم لبهذا أوصى، وإن هذه لَتَرِكَتُه. فإذا شهدا، وأجاز الإمام شهادتهما على ما شهدا، قال لأولياء الرجل: اذهبوا، فاضربوا في الأرض، واسألوا عنهما، فإن أنتم وجدتم عليهما خيانة أو أحدًا يطعن عليهما رددنا شهادتهما. فينطلق الأولياء، فيسألون، فإن وجدوا أحدًا يطعن عليهما، أو هما غير مرضيين عندهم، أو اطلع على أنهما خانا شيئًا من المال وجدوه عندهما؛ أقبل الأولياء فشهدوا عند الإمام، وحلفوا بالله: لشهادتنا أنهما لخائنان متهمان في دينهما، مطعون عليهما، أحق من شهادتهما بما شهدا، وما اعتدينا. فذلك قوله: {فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان} (١) [٢١٩٨]. (ز)


[٢١٩٨] اختلف المفسرون في الحال التي يُلزَم فيها الشاهدان باليمين في هذه الآية عند وقوع الريبة في شهادتهما على قولين: الأول: أن ذلك إذا شهدا على الميت أنه أوصى بما يخالف أحكام الإسلام من وصية بماله كله أو تفضيل لبعض ورثته على بعض. وهو قول عبد الله بن عباس من طريق عطية العوفي، وقول السدي. والثاني: أنّ ذلك إذا ادعيا أنّ الميت أوصى لهما ببعض المال. وهو قول يحيى بن يعمر.
ورجَّح ابنُ جرير (٩/ ٨٦ - ٩٤) مستندًا إلى السنة، وأقوال السلف، والدلالة العقلية أنّ اليمين يلزمهما إذا اتهمهما أهل الميت بالخيانة فيما دَفع إليهما الميت من ماله، أو بغير ذلك مما لا تبرأ ذمتهما منه إلا باليمين. وانتَقَد القولين الأولين، فقال: «وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة لأنّا لا نعلم من أحكام الإسلام حكمًا يجب فيه اليمين على الشهود ارتيب بشهادتهما أو لم يرتب بها، فيكون الحكم في هذه الشهادة نظيرًا لذلك، ولا صحَّ بخبر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا بإجماع من الأمة، لأنّ استحلاف الشهود في هذا الموضع من حكم الله تعالى، فيكون أصلا مسلَّمًا. والمقول إذا خرج من أن يكون أصلًا أو نظيرًا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة كان واضحًا فساده، وإذا فسد هذا القول بما ذكرنا فالقول بأنّ الشاهدين استحلفا من أجل أنهما ادَّعيا على الميت وصية لهما بمال من ماله أفسد من أجل أن أهل العلم لا خلاف بينهم في أن من حكم الله تعالى أن مُدَّعِيا لو ادَّعى في مال ميتٍ وصية، أنّ القول قول ورثة المدَّعى في ماله الوصية مع أيمانهم، دون قول مُدَّعِي ذلك مع يمينه، وذلك إذا لم يكن للمدَّعِي بينة. وقد جعل الله تعالى اليمين في هذه الآية على الشهود إذا ارتيب بهما، وإنما نقل الأيمان عنهم إلى أولياء الميت إذا عثر على أن الشهود استحقوا إثمًا في أيمانهم، فمعلوم بذلك فساد قول من قال: ألزم اليمين الشهود لدعواهم لأنفسهم وصية أوصى بها لهم الميت في ماله، على أنّ ما قلنا في ذلك عن أهل التأويل هو التأويل الذي وردت به الأخبار عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى به حين نزلت هذه الآية بين الذين نزلت فيهم وبسببهم». ثم نقل الأحاديث الواردة في قصة تميم الداري وعدي بن بدّاء.
وذكر ابنُ عطية (٣/ ٢٨٧) أن قوله تعالى: {إنِ ارْتَبْتُمْ} شرط لا يتوجه تحليف الشاهدين إلا به، ثم قال: «ومتى لم يقع ارتياب ولا اختلاف فلا يمين، أما أنه يظهر من حكم أبي موسى تحليف الذميين أنه باليمين تكمل شهادتهما وتنفذ الوصية لأهلها وإن لم يرتب، وهذه الريبة عند من لا يرى الآية منسوخة تترتب في الخيانة وفي الاتهام بالميل إلى بعض الموصى لهما دون بعض وتقع مع ذلك اليمين عنده، وأما من يرى الآية منسوخة فلا يقع تحليف إلا بأن يكون الارتياب في خيانة أو تعدٍّ بوجه من وجوه التعدي، فيكون التحليف عنده بحسب الدعوى على منكِر، لا على أنه تكميل للشهادة».

<<  <  ج: ص:  >  >>